أثارت الضربات الجوية الأخيرة المنسوبة إلى إسرائيل، والتي استهدفت منشآت استراتيجية داخل إيران، تساؤلات عديدة في الأوساط العسكرية. و تطرح العملية إشكالات تقنية واستراتيجية، سواء من حيث قدرة إسرائيل على إسقاط قوتها العسكرية لمسافات بعيدة، أو من حيث الفعالية الحقيقية لمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية. تحدٍّ لوجستي على مسافة 1500 كيلومتر تُقدَّر المسافة الفاصلة بين إسرائيل وطهران بنحو 1500 كيلومتر، وهي مسافة تتجاوز المدى التشغيلي القياسي لمقاتلات "إف-35I أَدير"، وهي المقاتلة الشبح من الجيل الخامس التي استُخدمت في هذه العملية. ويُقدَّر مدى القتال لهذه الطائرة ب1200 كيلومتر عند التحليق بحمولة داخلية، وينخفض هذا المدى أكثر عند تزويدها بذخائر جو-أرض ثقيلة مثل القنابل الموجهة من نوع JDAM، مما يفرض ترتيبات لوجستية خاصة لتنفيذ مهمة من هذا النوع. و قد يُتيح استخدام خزانات وقود خارجية زيادة مدى الطيران، إلا أن ذلك يؤثر سلبًا على البصمة الرادارية للطائرة، ويقوّض أحد أبرز ميزاتها: الشبحية. و يرجّح بعض المحللين أن الطائرات الإسرائيلية تخلّت عن هذه الخزانات قبل دخولها الأجواء الإيرانية، إلا أن نقاط تثبيت الخزانات تبقى ظاهرة على الهيكل، ما يشكّل مناطق محتملة لانعكاس موجات الرادار. ثغرة في منظومة الدفاع الجوي الإيراني؟ رغم ورود إنذارات مسبقة، بحسب عدة مصادر، فإن الطائرات الإسرائيلية تمكّنت، على ما يبدو، من التوغّل عميقًا داخل المجال الجوي الإيراني. وهو ما يثير علامات استفهام بشأن مستوى جهوزية منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، سواء على صعيد تغطية الرادارات، أو سرعة الاستجابة، أو التنسيق بين مراكز القيادة المختلفة. و من المحتمل أيضًا أن تكون العملية قد استغلت ثغرات جغرافية معينة، أو زوايا عمياء لدى الرادارات، أو أنها استخدمت تقنيات تشويش إلكتروني متقدمة. غياب ردّ فوري موثّق من الجانب الإيراني لا يعني بالضرورة وجود عجز تقني، بل قد يعكس خيارًا تكتيكيًا مبنيًا على التروّي أو التكتّم، في ظل توتر إقليمي بالغ الحساسية. انعكاسات إقليمية و استراتيجية سواء كانت هذه التوغّلات جزئية أم كاملة، فإنها قد تمثل محطة فاصلة في توازن القوى العسكرية في الشرق الأوسط. فهي تسلّط الضوء على التفوق التكنولوجي الذي لا تزال بعض القوى الإقليمية تحتفظ به، وتؤكد في الوقت نفسه حاجة قوى أخرى إلى تعزيز قدراتها في مجالات الرصد والإنذار والتنسيق. كما يكشف الصمت النسبي من جانب طهران بخصوص تفاصيل العملية عن رغبة في تفادي التصعيد المباشر، في سياق إقليمي مشحون أصلًا بسلسلة من النزاعات الجارية. و بالتالي، فإن هذه الحادثة، بعيدًا عن طابعها الاستعراضي، تعكس واقعًا جديدًا في طبيعة الحروب عن بعد، حيث تلعب التكنولوجيا وسرعة التوقع دورًا لا يقل أهمية عن القوة النارية. كما تُذكّر بأن حتى أكثر أنظمة الدفاع تطورًا تحتاج إلى تقييمات مستمرة وتحديثات منتظمة، لمواكبة التطور السريع في أساليب الهجوم الحديثة.