شهد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل مرحلة جديدة ذات دلالة رمزية قوية. فبحسب عدة مصادر متطابقة أوردتها وسائل إعلام أجنبية ومراسلون غير خاضعين للرقابة العسكرية الإسرائيلية، فقد استهدفت صواريخ إيرانية الإقامة العائلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مدينة قيسارية، وذلك في إطار ردٍّ منسّق على الضربات الإسرائيلية المكثفة التي طالت الأراضي الإيرانية. هدف رمزي بامتياز تقع إقامة نتنياهو في قيسارية على الساحل المتوسطي، وتُعرف بأنها مقر إقامته خلال عطلات نهاية الأسبوع. ورغم أنها ليست منشأة حكومية رسمية ولا مركزًا للقيادة العسكرية، إلا أنها تحمل أبعادًا شخصية وسياسية ورمزية عميقة. فمن هناك، يستقبل نتنياهو داعميه السياسيين ويعزز صورته كزعيم. باختيار هذا الهدف، لا تسعى إيران إلى اغتيال رئيس وزراء، بل إلى توجيه رسالة مباشرة وحادة: لا أحد بمنأى عن الاستهداف، وحتى الدوائر الخاصة لكبار القادة الإسرائيليين يمكن أن تصبح عرضة للخطر. رسالة استراتيجية واضحة يُمثل استهداف إقامة عائلية تحولًا استراتيجيًا مقارنة بالضربات التي تستهدف القواعد العسكرية أو البنى التحتية اللوجستية. فالهدف هذه المرة ذو طبيعة نفسية بقدر ما هو تكتيكي، ويتمثل في: * زعزعة صورة الحصانة التي بناها نتنياهو حول نفسه. * الضغط على المجتمع الإسرائيلي من خلال إظهار أن الحرب لم تعد محصورة في غزة أو على الحدود الشمالية، بل باتت قادرة على الوصول إلى قلب السلطة وفي عقر دارها. * توجيه تحذير غير مباشر إلى باقي القادة الإسرائيليين: عائلاتهم، منازلهم، وحياتهم الخاصة لم تعد خارج دائرة الصراع. رمزية قيسارية ليست قيسارية مجرد مدينة ساحلية فاخرة، بل هي أيضًا رمز للنخبة الإسرائيلية وامتيازاتها، ولانفصالها عن معاناة المواطنين المتأثرين بالحرب. ومن خلال استهداف هذا المكان، تسعى إيران إلى كسر هذا الشعور بالمسافة بين القرارات السياسية وتبعاتها البشرية والمادية. تصبح الإقامة بذلك تجسيدًا لمسؤولية نتنياهو الشخصية في التصعيد. ومن منظور طهران، يُعد هذا الهجوم بمثابة "تذكير سياسي": إذا كان رئيس الوزراء قد خاض الحرب، فعليه أن يتحمّل تبعاتها مثل سائر المواطنين. ردّ على عقيدة الضربات الأحادية منذ بداية التوترات، تبنت إسرائيل استراتيجية الضربات الاستباقية التي طالت مواقع نووية إيرانية وقواعد صاروخية. وفي المقابل، تسعى إيران إلى فرض معادلة ردع غير متكافئة. ويأتي استهداف قيسارية ضمن هذا الإطار: نقل ساحة المعركة إلى أماكن غير متوقعة، لإجبار إسرائيل على إعادة النظر في حسابات الكلفة والعائد لأي ضربة مستقبلية. وماذا بعد؟ لم تُصدر إسرائيل أي تأكيد رسمي حتى الآن، ويُعزى ذلك على الأرجح إلى الرقابة العسكرية التي تحظر نشر معلومات حساسة قد تضر بالمعنويات أو بصورة الأمن القومي. لكن الدلالات واضحة: * الردع الإيراني بات نشطًا وذو طابع شخصي. * الحرب انتقلت إلى مستوى الرموز بقدر ما هي صراع بالصواريخ. * الجبهة الداخلية الإسرائيلية أصبحت مكشوفة، ولم تعد محصورة في المواقع العسكرية التقليدية. بضرب إقامة قيسارية، تكون إيران قد غيّرت قواعد اللعبة. لم يعد الأمر مجرد حرب بين دولتين، بل صراع استراتيجي تُصبح فيه الرموز أهدافًا، والرسائل العسكرية أدوات سياسية. أما بالنسبة لنتنياهو، فإن الصدمة تجاوزت جدران منزله: لقد زلزلت أُسس سلطته نفسها.