استهدفت الضربات الصاروخية الباليستية الإيرانية مؤخرًا إحدى أكثر المنشآت الطاقية حساسية في إسرائيل، وهي مصفاة حيفا التي تديرها مجموعة "بازان"، ما أسفر عن أضرار جزئية فيها. و تقع هذه المنشأة في قلب المنطقة الصناعية بخليج حيفا، وتشكّل مركزًا حيويًا لسلسلة التزويد بالوقود والكهرباء والمنتجات البتروكيميائية في البلاد. و رغم أن الهجوم لم يؤدِّ إلى شلّ العمليات بشكل كامل، إلا أنه كشف عن ثغرة استراتيجية خطيرة في منظومة الأمن الطاقي الإسرائيلي. فهذه ليست مجرد ضربة رمزية، بل استهداف مباشر للعمود الفقري الصناعي للبلاد. منشأة حيوية للاقتصاد الإسرائيلي تعالج مصفاة "بازان" في حيفا نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يوميًا، ما يجعلها أكبر منشأة تكرير في إسرائيل. وهي تزود جزءًا كبيرًا من البلاد بالبنزين، والديزل، والكيروسين، والبيتومين، والغاز المسال، إضافة إلى مواد كيميائية تُستخدم في الصناعات الدوائية والبلاستيكية. و ترتبط المصفاة بموانئ بحرية وخطوط أنابيب استراتيجية ومحطات كهرباء، مما يجعلها عقدة مركزية في شبكة الطاقة الوطنية. هجوم يغيّر قواعد اللعبة و وفقًا لما أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد أصابت الصواريخ الإيرانية محيط الموقع، ما تسبب في أضرار مادية طالت منشآت التخزين والنقل. وقد ساعدت السيطرة السريعة على الحرائق في تجنّب كارثة، لكن جزءًا من المنشأة اضطر إلى التوقف المؤقت. و يُظهر هذا الهجوم تطورًا في العقيدة العسكرية الإيرانية، التي باتت تستهدف ليس فقط مراكز القيادة والقواعد العسكرية، بل أيضًا البنى التحتية الحيوية للطاقة. و بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا التطور يشكك في فعالية سياسة الردع القائمة على التفوق التكنولوجي، خاصة أمام صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة تُستخدم بشكل منسق. تداعيات وطنية وآثار إقليمية لم تتسبب الضربة على مصفاة حيفا حتى الآن في أزمة إمداد، إلا أنها دفعت إسرائيل إلى تفعيل مخزوناتها الاستراتيجية ومراجعة منظومة الحماية الخاصة بالبنى التحتية الحيوية. و قد يؤدي تصعيد إضافي أو هجوم جديد على الموقع إلى تداعيات متسلسلة تمسّ: * إنتاج الكهرباء، في ظل ارتفاع الطلب خلال الصيف. * توزيع الوقود للاستخدامات المدنية والعسكرية. * الصادرات الإقليمية، خصوصًا للمنتجات البتروكيميائية. * معنويات السكان، في ظل الإحساس بضعف نظام الحماية. رسالة تكتيكية من طهران من خلال استهداف مصفاة حيفا، وجّهت إيران ضربة لموقع عالي القيمة دون أن تتسبب بكارثة إنسانية، لكنها بعثت برسالة استراتيجية واضحة: المنشآت الحيوية في إسرائيل يمكن الوصول إليها رغم الدعم التكنولوجي الغربي، وكلفة الحرب قد تكون وطنية وليست عسكرية فقط. و يكشف اختيار هذا الهدف عن معرفة دقيقة لدى طهران ببنية إسرائيل الصناعية، واستعدادها لاستخدام هذه المعرفة في حال تصاعد الصراع. حرب أعصاب تدور أيضًا في ساحة الطاقة يمثّل الهجوم على مصفاة حيفا نقطة تحوّل في طبيعة المواجهة بين إسرائيل وإيران. فالصراع، الذي بدأ بضربات عسكرية تقليدية، اتخذ الآن بعدًا اقتصاديًا وصناعيًا، حيث باتت مرونة قطاع الطاقة سلاحًا بحد ذاته، كما قد تكون نقطة ضعف قاتلة. و في الأيام القادمة، ستكون إسرائيل مضطرة إلى تعزيز حماية مواقعها الحيوية، وإعادة تنظيم مخزوناتها، وقد تُضطر إلى مراجعة عقيدتها الدفاعية، في ظل واقع جديد لم يعد يستثني المناطق الصناعية و لا المنشآت المدنية من دائرة الحرب.