قطاع الكتب في أفريقيا يشهد تحولات وتحديات متعددة. يتأثر هذا القطاع بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى التراث الثقافي الغني للقارة وسط ما لدى أفريقيا من تراث شفوي ومكتوب غني مما يساهم في تنوع الأدب والإنتاج الثقافي والتعليمي بشكل عام. وتواجه صناعة النشر في أفريقيا تحديات اقتصادية، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الإنتاج والطباعة، وانخفاض القدرة الشرائية للقراء. قدمت منظمة اليونسكو مؤخراً خريطة شاملة لصناعة الكتاب في 54 دولة إفريقية، مسلطة الضوء على واقع قطاع الكتاب في تونس خلال عام 2023. هذه الدراسة توضح الخصائص الأساسية لهذا القطاع، من حيث التجارة الخارجية، الإنتاج، والتحديات التي يواجهها في ظل التحولات الراهنة. سوق تهيمن عليه الاستيراد يعتمد قطاع الكتاب في تونس بشكل كبير على الاستيراد، حيث بلغت قيمة الواردات أكثر من 10.8 مليون دولار في عام 2023. وتحتل فرنسا المرتبة الأولى كمصدر رئيسي للاستيراد بنسبة 50%، تليها مصر ولبنان وبعض الدول الإفريقية. في المقابل، تظل الصادرات التونسية محدودة بقيمة تقارب 1.37 مليون دولار، مع أسواق رئيسية في مصر والسنغال والمغرب والجزائر ودول الخليج. يعكس هذا التفاوت اعتماداً واضحاً على الأسواق الخارجية رغم وجود ما يقارب 356 دار نشر ونحو 3 آلاف عنوان منشور سنوياً، أغلبها باللغة العربية. إنتاج متنوع مع تراجع طفيف تشير بيانات المكتبة الوطنية إلى انخفاض تدريجي في عدد العناوين المنشورة، من 3833 عنواناً في 2021 إلى 3000 في 2023. وتمثل اللغة العربية حوالي 75% من الإنتاج، ما يعكس حيوية القطاع وتنوعه. ويتراوح عدد النسخ المطبوعة بين 500 و3000 للآداب العامة، وحوالي 500 إلى 1000 للبحوث والدراسات، فيما يصل عدد كتب الأطفال إلى نحو 5000 نسخ فيما تحظى الكتب المدرسية بمكانة خاصة، حيث يتم إعدادها من قبل خبراء في البيداغوجيا وتحريرها أساساً من قبل المركز الوطني البيداغوجي، مما يضمن جودة محتواها وتنظيم إنتاجها. قطاع يتغير مع التحولات الرقمية يوفر قطاع الكتاب في تونس حوالي 15 ألف فرصة عمل في مجالات متعددة تشمل النشر، المكتبات، التدقيق اللغوي، الرسم، والتصميم. إلا أن هذا القطاع يواجه تحولات جذرية بفعل الرقمنة وتغير سلوك القراءة. فقد ازداد الاهتمام بالكتب الرقمية والكتب الصوتية، ما دفع المهنيين إلى التكيف مع هذه المستجدات. كما أثرت جائحة كوفيد-19 سلباً على المكتبات ودور النشر، مما زاد من الحاجة إلى الابتكار للحفاظ على جاذبية الكتاب. ويبقى دعم الإبداع الأدبي التونسي وتعزيز عادة القراءة لدى الشباب من الأولويات لضمان استمرارية القطاع ونموه. تسلط هذه الأرقام الضوء على قطاع كتاب تونسي غني بالموارد الثقافية والبشرية، لكنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على الاستيراد ويواجه تحولات عميقة. ويرى مراقبون أنّ مستقبل هذا القطاع مرتبط بقدرته على دمج التكنولوجيا الحديثة مع الحفاظ على تراثه الثقافي وتوسيع قاعدة قرائه.