لا يزال المناخ الاقتصادي في ألمانيا قاتمًا. فقد سجلت البلاد 11.900 حالة إفلاس لشركات خلال النصف الأول من سنة 2025، ما يمثل زيادة بنسبة 9,4٪ مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، وفقًا لتقرير نشره الخميس مكتب الدراسات Creditreform. ويُعدّ هذا الرقم الأعلى منذ عقد من الزمن، ما يعكس تفاقم الأزمة في أكبر اقتصاد أوروبي. ويأتي هذا التدهور في سياق ضعف الطلب الداخلي، وارتفاع التكاليف التشغيلية، وركود اقتصادي مستمر للعام الثاني على التوالي. وقال باتريك-لودفيغ هانتزش، الخبير الاقتصادي لدى Creditreform: "لا تزال ألمانيا غارقة في أزمة اقتصادية وهيكلية عميقة". العديد من الشركات، لا سيما المؤسسات الصناعية والتجارية الصغيرة والمتوسطة، بدأت تستنزف احتياطاتها المالية، في وقت يزداد فيه التشدد في منح القروض. وفي بعض الحالات، لم يتم تجديد القروض، ما ترك هذه المؤسسات عرضة لتقلبات أسعار الطاقة، والنقل، والمواد الأولية. وباتت الأزمة تطال عددًا متزايدًا من العاملين، حيث أظهرت بيانات Creditreform أن الشركات التي أعلنت إفلاسها خلال النصف الأول من العام كانت توظف نحو 141.000 شخص. انتعاش مرتقب… لكن ليس قبل عام 2026 يحذّر التقرير من أن خطر الإفلاس سيظل مرتفعًا خلال بقية السنة. فرغم الآمال التي أثارها صندوق الاستثمار العام بقيمة 500 مليار يورو، الذي صادقت عليه حكومة فريدريش ميرتس في بداية 2025، فإن تأثير هذا المخطط التحفيزي لن يظهر إلا ابتداءً من سنة 2026. وفي الأثناء، تواجه ألمانيا سلسلة من الضغوط: ضعف الاستثمار، نقل الصناعات إلى الخارج، الضبابية الجيوسياسية، وتراجع التنافسية في بعض القطاعات الحيوية مثل صناعة السيارات، والمعدات الصناعية، والتكنولوجيا الخضراء. وأشار التقرير إلى أن تواصل ارتفاع معدلات الإفلاس بدأ يولد ما يُعرف ب"تأثير الدومينو" في الاقتصاد الحقيقي. فالموردون، والمقاولون الثانويون، والشركاء التجاريون للشركات المفلسة يتعرضون بدورهم لهزات عنيفة، ما يغذي حلقة مفرغة يصعب كسرها في غياب دفعة اقتصادية قوية على المستوى الكلي. وهكذا، تعكس موجة الإفلاسات المتصاعدة في ألمانيا هشاشة هيكلية في الاقتصاد الأوروبي، في وقت لا تزال فيه معدلات التضخم مرتفعة، وأسعار الفائدة تعرقل الاستثمار الخاص. وبينما تراهن برلين على انطلاقة اقتصادية جديدة اعتبارًا من 2026، يُتوقع أن تشهد الأشهر القادمة سلسلة طويلة من حالات التعثر المالي، وضغطًا متزايدًا على النسيج الإنتاجي. ويرى المراقبون أن ألمانيا تمرّ بلحظة مفصلية: بين ضرورة تنفيذ إصلاحات عاجلة لتعزيز التنافسية، والحاجة إلى دعم عمومي موجّه لتفادي انهيار جزئي في بنيتها الإنتاجية.