لا يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إيران وإسرائيل، الذي تم برعاية واشنطن، يبشّر فعلاً بنهاية نزاع مزمن. فوفقاً لتقرير أعدّته الصحفية السياسية الإسرائيلية آنا براسكي ونشرته صحيفة «معاريف»، تعتبر عدة تقديرات سياسية وأمنية أن هذا الهدوء ليس سوى هدنة مؤقتة ضمن حرب استنزاف إقليمية، تتّسم بدورات قصيرة لكنها مدمّرة. من الجانب الإسرائيلي، لا تزال السلطات في حالة تأهّب. فقد صرّح رئيس جهاز «الموساد» دافيد برنيع بعد 36 ساعة فقط من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ: «سنواصل مراقبة المشاريع الإيرانية التي نعرفها جيداً». وقد فُسّرت هذه التصريحات على أنها تحذير من هشاشة الهدوء الحالي وقصر مدّته. تؤكّد إسرائيل، من جهتها، أن الهدف الاستراتيجي لا يزال يتمثل في تفكيك البرنامج النووي الإيراني، بينما ترفض طهران حتى الآن التخلّي عن تطويره. أما اتفاق وقف إطلاق النار، رغم أنه جاء بضغط من الوساطة الأمريكية، فلا يتضمّن آليات متابعة واضحة ولا أي التزام فعلي بتجميد البرنامج النووي أو الصاروخي الإيراني. وقد تخلّلت هذه المرحلة ضربات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية في فوردو ونطنز وأصفهان. كما لعب الجيش الأمريكي دوراً فاعلاً في العملية، ما حال دون اندفاع إيران نحو مواجهة مباشرة أوسع. إلا أن مصادر استخباراتية نقلتها شبكة «سي إن إن» تشير إلى أن الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني لم تؤدِ إلا إلى تأخيره لبضعة أشهر، على عكس ما أعلنته واشنطن عن «تدمير كامل». وتشير الصحفية إلى أن نمط المواجهة قد تغيّر، إذ من الممكن أن تتكرّر الاشتباكات المكثّفة على جبهات متعدّدة – لبنان، اليمن، سوريا أو الخليج – كل بضعة أشهر، ما يزيد من مخاطر زعزعة الاستقرار الإقليمي. وهو نمط «حرب دورية» قد يتطلّب انخراطاً أمريكياً متزايداً لتجنّب انفجار شامل. وفي سياق آخر، يثير سلوك الرئيس دونالد ترامب تساؤلات عدّة. فرغم إعلانه وقف الضربات، صرّح بأنه مستعد لاستئنافها في أي لحظة. وقد وُصفت إدارته للصراع بأنها أشبه بمسرحية درامية أو سلسلة تلفزيونية، لا سيّما مع ما سُمّي «حرب ال12 يوماً» التي انتهت بطريقة استعراضية. ووصل الأمر بترامب إلى حدّ المطالبة، على هامش اتفاق وقف إطلاق النار، بوقف الملاحقات القضائية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتبراً ذلك بمثابة «مقابل ضمني» للدعم الأمريكي. وهي مقاربة تثير القلق بشأن الطابع التبادلي للتحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب. وفي ظل هذا المناخ الضبابي، تسعى أطراف إقليمية ودولية عدّة – مثل روسيا، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج – إلى التأثير في مجريات الأحداث، ولكن دون وجود آلية واضحة للحل. وبحسب خلاصة التقرير، فإن النزاع لا يزال قابلاً للاشتعال في أي لحظة. فغياب أي التزام دبلوماسي حقيقي بشأن القضايا الجوهرية – وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني – قد يجعل الشرق الأوسط على عتبة تصعيد جديد، ستكون له تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية عالمية. السؤال المطروح الآن لم يعد هل ستقع مواجهة جديدة، بل متى وكيف.