في تصعيد جديد لهجته السياسية، لوّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإمكانية سحب الجنسية الأميركية من شخصيتين بارزتين نالتا الجنسية بالتجنس: رجل التكنولوجيا المثير للجدل إيلون ماسك، والمرشح الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك زهران مامداني. تصريحات استفزازية أعادت الجدل القانوني حول حدود صلاحيات الرئيس الأميركي في ما يتعلق بمسألة الجنسية. تهديدات موجّهة تجمع بين السياسة والرمزية خلال خطاب له، وكذلك عبر منصته "تروث سوشيال"، هاجم ترامب بشدة زهران مامداني، واصفًا إياه بأنه "معادٍ لأميركا، اشتراكي، شيوعي"، ومقرّب من أيديولوجيات متطرفة. وقد بادر النائب الجمهوري عن ولاية تينيسي، آندي أوغلس، بتقديم طلب رسمي للقضاء لفتح تحقيق في إمكانية سحب الجنسية من مامداني، مستشهدًا بتصريحات سابقة اعتُبرت متعاطفة مع أشخاص أدينوا بالإرهاب. وفي سياق مختلف، وجّه ترامب انتقادًا حادًا لإيلون ماسك، معتبرًا أنه "لولا الدعم الفيدرالي، لكان عليه العودة إلى جنوب إفريقيا"، في إشارة إلى خطته الاقتصادية التي صادق عليها مجلس الشيوخ مؤخرًا، والتي تضمنت إلغاء حوافز ضريبية على السيارات الكهربائية تصل إلى 7,500 دولار. ماسك ومامداني: مسارات مواطنين بالتجنس وُلد زهران مامداني سنة 1991 في كمبالا (أوغندا) لأبوين من أصل هندي، وانتقل إلى نيويورك وهو في السابعة من عمره، ليحصل على الجنسية الأميركية في سنة 2018. أما إيلون ماسك، فقد وُلد في عام 1971 في بريتوريابجنوب إفريقيا، ثم عاش في كندا قبل أن ينتقل إلى الولاياتالمتحدة سنة 1992، حيث نال الجنسية الأميركية في 2002، وفقًا لسيرته الذاتية التي كتبها والتر آيزاكسون. وكان ماسك قد نفى، في 2024، أي خرق للقانون في بداياته المهنية، مشيرًا على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) إلى أنه استخدم تأشيرة "J-1″، ثم تأشيرة "H-1B". سحب الجنسية: أداة قانونية محكومة بشروط صارمة يكاد يجمع فقهاء القانون على أن الدستور الأميركي، إلى جانب قرارات المحكمة العليا، يضعان قيودًا صارمة على إمكانية سحب الجنسية من أي شخص. وبحسب القانون الفيدرالي، فإن حالات إسقاط الجنسية تقتصر على ظروف محددة جدًا، منها: * الحصول على الجنسية عبر الغش أو الكذب المتعمّد؛ * الانضمام إلى تنظيمات معادية للولايات المتحدة أو ارتكاب الخيانة؛ * ارتكاب جرائم كبرى مثل الإرهاب أو جرائم الحرب؛ * الانخراط في جيش دولة معادية أو شغل منصب في حكومة أجنبية. وعمليًا، يرى المختصون أن احتمال سحب الجنسية من ماسك أو مامداني ضعيف للغاية، ما لم تُثبت وجود تزوير صريح في ملفات التجنيس الخاصة بهما. سوابق تاريخية: من الحرب الباردة إلى حالات استثنائية لم يكن سحب الجنسية أمرًا غير مسبوق في الولاياتالمتحدة، لكنه ظل نادر الحدوث. وبلغ ذروته خلال موجات "الهلع الأحمر" (1917–1920 و1947–1957) عندما كان شبح الشيوعية يخيّم على البلاد. من أبرز تلك الحالات: * إيما غولدمان، الناشطة الأناركية، سُحبت منها الجنسية سنة 1919 ورُحلت إلى الاتحاد السوفياتي؛ * بول كناور، اتُّهم بالارتباط مع منظمة نازية، وفقد جنسيته سنة 1946؛ * وفي عام 1967، أقرت المحكمة العليا أنه لا يمكن إسقاط الجنسية إلا بموافقة صريحة من المواطن أو في حال ثبوت تزوير. مناورة شعبوية محفوفة بالمخاطر؟ يبدو أن حدة هجوم ترامب على مامداني وماسك جزء من استراتيجية شعبوية تستهدف إعادة تنشيط قاعدته الانتخابية، خصوصًا وسط الانتقادات التي تطال خطته الاقتصادية. وهو يلجأ مجددًا إلى خطاب الهوية والهجرة، وهما موضوعان محوريان في توجهات قاعدة "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" (MAGA). لكن هذا الخطاب يواجه عوائق قانونية واضحة؛ فبدون أدلة ملموسة، تبقى تهديدات سحب الجنسية مجرد تصريحات سياسية لا أثر قانوني لها. وقد رد مامداني بلهجة قوية على منصة "إكس"، واصفًا تهديدات ترامب بمحاولة ترهيب، ومؤكدًا أنه لم يخالف أي قانون. بين القانون والسياسة... هشاشة في الخطاب وعمق في الانقسام رغم حدّة خطاب ترامب، فإن الأرضية القانونية لسحب الجنسية من إيلون ماسك أو زهران مامداني تبدو هشّة للغاية. وتكشف هذه الحملة عن عمق الانقسامات الأيديولوجية داخل الولاياتالمتحدة، عشية موسم انتخابي جديد ينذر بكثير من التوتر. تبقى الأسابيع المقبلة كفيلة بالكشف عمّا إذا كانت هذه الاستراتيجية التصعيدية ستلقى صدىً لدى الناخبين... أم تنقلب على من أطلقها.