لا يقتصر الاستهلاك الوطني على فوائده الاقتصادية فحسب، بل يُشكِّل أيضًا عاملًا قويًا للحفاظ على التكامل الاجتماعي إلى جانب الأثر البيئي عبر تقليص مسافات النقل بشكل ملحوظ من البصمة الكربونية للمنتجات المستهلكة واختصار مسافات سلاسل التوريد، بما يساعد على المساهمة في مكافحة الاحتباس الحراري مع تنمية الاقتصاد. في هذا الإطار، اكدت دراسة أصدرها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات على اهمية تعظيم الثورة الوطنية عبر دعم الاستهلاك المحلي حيث ابرزت أن الصناعات المحلية قادرة على رفع الثورة التي ينتجها الاقتصاد إلى ضعفين ونصف مبينة أن دعم انتاج المواد المصنعة محليا بشكل كامل أو جزئي يقلل من استنزاف رصيد النقد الأجنبي ويعزز صلابة العملة المحلية كما يساهم في حماية الموارد الفلاحية ويدفع نمو الحرف. الاستهلاك المحلي يدعم خلق الثروة كشفت الدراسة بالرجوع إلى تجارب مقارنة أن تتبع الأموال المنفقة محليا يؤدي إلى زيادة النقد في الدورة الاقتصادية، حيث تبرز التجربة الفرنسية أن إنفاق اورو واحد على مشتريات محلية يُولّد إنفاقًا يتراوح بين 2 و2.5 اورو ضمن دائرة نقدية نصف قطرها 30 كيلومترا. كما يُقدّر خبراء كنديون، في ذات السياق، أن كل وحدة نقدية تُنفق لشراء منتج محلي تُولّد من 2 إلى 2.5 وحدة في الأنشطة الاقتصادية الوطنية. واعتبر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن الأثر المُضاعِف للشراء المحلي لا يمنع الانفتاح الاقتصادي مؤكدا أن تونس تحتاج إلى دعم نموذجها الاقتصادي لمواجهة الاضطرابات الجيوسياسية والأزمات الصحية المتكررة، وذلك على غرار العديد من دول العالم. هذا وتؤكد عدة منظمات معنية بالشأن الاستهلاكي اهمية التشجيع على الاستهلاك المحلي والتوجه نحو استبدال العلامات التجارية الأجنبية بأخرى محلية أكثر تأقلما مع الواقع الاقتصادي مبرزة ان الأزمات الجيوسياسية والصحية التي مرت خلال السنوات الفارطة أثبتت جدوى الحماية الذاتية للأسواق عبر إيجاد بدائل لسلع محلية جيدة وأقل كلفة. كما تكشف عدة تقارير متخصصة أن النسيج الصناعي التونسي متطور ومتنوع بما يساعد على انتقال سلس للاقتصاد والتحول من نموذج المستهلك الشامل لصالح المستهلك الوطني المسؤول ذلك ان هذا النهج قادر على أن يُحدث تحولًا جذريًا في الاقتصاد الوطني من خلال خلق حلقات انتاج جديدة تفضي إلى دعم التشغيل وتحسين نسب النمو والناتج المحلي الإجمالي. كلفة التوريد الاستهلاكي وأدى الاعتماد المتزايد على الواردات في البلاد لا سيما خلال العشرية الفارطة إلى استنزاف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي وتفاقم اختلال الميزان التجاري إلى جانب إضعاف النسيج الإنتاجي الوطني لصالح السلع الموردة. وأدى هذا التمشي الى ايجاد منافسة غير متكافئة في السوق التونسية لا سيما بين علامات النسيج والملابس المحلية ونظيراتها الموردة بسبب الامتيازات الضريبية التي تمنح لعلامات تصنع في البلاد على حساب المصانع المحلية التي تكافح من أجل الصمود. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي تعمق العجز التجاري لتونس إلى 54%، وتحوّلت قيمته من نحو 4،7 مليار دينار، في اواخر أفريل 2024، إلى حوالي 7،3 مليار دينار، نهاية الشهر ذاته من العام الحالي 202 وتراجعت، تبعا لذلك، نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 74% مقابل 81،8% في 2024، وفق ما أظهرته أحدث المؤشرات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء. وفسّر المعهد، تفاقم عجز تونس التجاري خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025، بتراجع الصادرات، بنسبة 2،4%، لتناهز قيمتها 20،7 مليار دينار، مقابل زيادة الواردات، بنسبة 7.8% لتقدر قيمتها بنحو 28 مليار دينار. وزادت المقتنيات من الخارج، خاصّة، في ظل تطور الواردات من مواد التجهيز، بنسبة 22,1% والمواد الأوّلية ونصف المصنعة، بنسبة 11,3% إلى جانب زيادة واردات المواد الاستهلاكية بنسبة 15,7%. وتؤكد دراسة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن كل دينار يُنفق محليًا لا يُنتج ثروة مُكافئة فحسب، بل يُطلق سلسلة من التفاعلات الاقتصادية التي تُضخّم تأثيره الأولي. وتُظهر الدراسات الفرنسية والكندية التي استشهد بها المعهد أن وحدة واحدة من العملة تُستثمر في المشتريات المحلية تُولّد ما بين وحدتين ووحدتين ونصف إضافية من النشاط الاقتصادي داخل البلاد حيث تُفسَّر هذه الظاهرة بتداول النقود عبر دورات إنفاق متعددة قبل خروجها من الاقتصاد الوطني. فعندما يشتري المستهلك منتجًا محليا، فإنه يدفع لمنتج وطني، والذي بدوره يدفع لموظفيه ومقدمي خدماته وتُولِّد كلٌّ من هذه المعاملات إيرادات جديدة تُغذِّي نفقات أخرى، مما يُحدِث تأثيرًا اقتصاديًا متراكمًا.