يندرج تأسيس البنك البريدي في إطار توسعة نشاط البريد الذي فرضت عليه التحولات التكنولوجية وتطوّر قطاع الخدمات تقلّص دوره الكلاسيكي وانغماسه أكثر فأكثر في المعاملات المالية. يعود تأسيس البريد التونسي إلى سنة 1847 من خلال خلق أول نواة توزيع. ومن ثم اتّجهَ نحو تطوير خدماته ليتمّ سنة 1956 إنشاء صندوق الادّخار القومي التونسي. وفي سنة 1998 اتخّذ شكله الحالي بتأسيس الديوان الوطني للبريد تحت مسمى البريد التونسي في شكل مؤسسة عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية تتمتع بالاستقلالية المالية والشخصية المعنوية تحت إشراف وزارة تكنولوجيات الاتصال. مساهمة منتظرة في الادماج المالي يمكن للبريد التونسي أن يلعب دورًا مهمًا للغاية في العديد رفع العديد من التحديات التي تجابه البلاد حاليًا وذلك على غرار الحد من الفوارق الجهوية ومراجعة منظومة المقاصة المالية والإدماج المالي وذلك وفقا لدراسة نشرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الراجع بالنظر لرئاسة الجمهورية بعنوان "الإدماج المالي ودوره في الحد من الاقتصاد غير المنظم في تونس". في هذا الإطار، وجّه مكتب مجلس النواب على أنظار لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب، مشروع قانون عدد 82 لسنة 2025 المتعلق بإحداث البنك البريدي، وذلك بعد أن أقره شكلا لاستجابته للشروط القانونية، وفق ما أفاد النائب والممثل عن جهة مبادرة مشروع إحداث البنك البريدي، محمّد زياد الماهر. وأكد الماهر أنّه في حال إحداث البنك البريدي الذي ينتظره العديد من الناس فإنّه سيقدم خدمات بأسعار تفاضلية ورمزية لفائدة الفئات الهشة المعنية بخطة الدولة للإدماج المالي والحرفيين والذين يعملون بصفة غير مهيكلة. وتوقّع أن يدخل البنك البريدي في حال إحداثه وتفعيله نوعا من التوازن في السوق المالية التونسية. وكشف الماهر، من جهة أخرى، أنّ مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي الذي سبق وأن أحالته رئاسة الحكومة إلى مجلس نواب الشعب خلال السنة الماضية، وأرجأ المجلس النظر فيه، سيُحدّد نوعية الخدمات التي سيُسديها البنك البريدي ومشمولاته، مُبيّنًا أنّ ما ينطبق على مؤسسات التمويل الصغير الخاصة سينطبق مبدئيا، وفق مشروع القانون، على البنك البريدي. فرص نجاح متاحة بينت التجارب المقارنة، ان لإحداث البنوك البريدية انعكاسات اقتصادية ومالية إيجابية عديدة حيث استطاعت المملكة المغربية أن تكسب أكثر من 10 نقاط مئوية في نسبة الإدماج البنكي خلال تحول البريد المغربي إلى بنك، حسب دراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية مع التذكير بأن البريد التونسي يدير شبكة من 1042 مكتب بريد، 53 بالمائة منها في المناطق الريفية ومجهزة بالإعلامية بنسبة 100 بالمائة ومتصلة ببعضها البعض بنسبة 70 بالمائة. بالإضافة إلى ذلك، تتأتى 70 بالمائة من مداخيل البريد التونسي اليوم من الخدمات المالية البريدية (مقارنة ب 45 بالمائة في عام 1999). ومن خلال خدمة "موبي فلوس" (الدفع عبر الهاتف المحمول) التي تعمل بالشراكة مع مشغل هاتف، أثبت البريد التونسي أنه يتقن الاعتماد على تقنيات المعلومات والاتصالات لتحسين خدماته، كما تشير الدراسة. يُنظر أيضًا، في هذا السياق، إلى أنه من خلال التأثير الانسيابي، فإن إمكانية الإدماج المالي من خلال مكاتب البريد كبيرة، إذ أنّ 700000 تونسي يزورون مكاتب البريد يوميًا ويتصرف البريد التونسي في 3.6 مليون حساب ادخار و1.8 مليون حسابا بريديا جاريا بإجمالي موجودات قيمتها 13 مليار دينار. وبمتوسط رصيد يبلغ 2200 دينار لكل حساب ادخار في المعدل، يستحوذ البريد التونسي على حصة سوقية مهمة أغفلتها المؤسسات المالية التقليدية. ومن شأن مؤسسة البريد، في هذا الصدد، ان تلعب دورا هاما في سوق التمويل الأصغر يسمح لها بالاستجابة لطلبات حرفائها للحصول على التمويلات الازمة لتلبية حاجياتهم. تعليقات