خطا الدنمارك خطوة تاريخية لافتة: ابتداءً من 1 جانفي 2040، سيُرفع سنّ التقاعد القانوني إلى 70 عاماً بالنسبة للأشخاص المولودين بعد 31 ديسمبر 1970. ويأتي هذا الترفيع غير المسبوق في إطار آلية فهرسة آلية تم اعتمادها منذ سنة 2006، تنصّ على تعديل سنّ التقاعد كل خمس سنوات بما يتماشى مع تطوّر معدل أمل الحياة. فخلال 25 عاماً، انتقل سنّ التقاعد في الدنمارك من 65 إلى 70 عاماً، تزامناً مع ارتفاع متوسط أمل الحياة بحوالي أربع سنوات ونصف. وتبرّر الحكومة هذا التمديد في سنّ العمل بالحاجة إلى ضمان استدامة المنظومة التقاعدية، خاصة في ظل تسارع وتيرة شيخوخة السكان في البلاد. ورغم الإعلان الرسمي عن هذا السقف الجديد، فإنّ أغلب الدنماركيين لا يعتزمون الانتظار حتى هذا السنّ لمغادرة الحياة المهنية. فوفقاً لبيانات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (2022)، لا يزال متوسط سنّ التقاعد الفعلي في الدنمارك مستقراً عند نحو 64 عاماً. ويعكس هذا الفارق وجود تفاوتات اجتماعية ومهنية داخل البلاد، حيث لا تسمح سوى بعض المهن بمواصلة العمل دون المساس بالصحة الجسدية. يعتمد النظام التقاعدي الدنماركي على عدة ركائز، أبرزها جراية تقاعدية عامة تقدَّر ب7198 كرونة شهرياً (أي ما يعادل نحو 968 يورو سنة 2025)، إضافة إلى أنظمة تقاعد برأس مال إلزامية واختيارية. وتتيح هذه الآليات للعمال ذوي الرواتب الأعلى أو لمن يحسنون التخطيط المالي إمكانية التقاعد في وقت مبكّر. لكنّ هذا الإصلاح يثير مخاوف حقيقية. فقد عبّر عاملون في قطاعات بدنية مثل التمريض والصناعة عن رفضهم لما يعتبرونه انفصالاً بين متطلبات العمل ومدة الحياة الصحية. تقول مساعدة تمريض تبلغ من العمر 30 عاماً: «لا أعتقد أن جسدي سيصمد 40 سنة أخرى». وتكشف هذه الشهادات عن انقسام اجتماعي حادّ بين من يستطيعون اختيار مواصلة مسارهم المهني، ومن يفرض عليهم الإنهاك الجسدي التوقّف مبكراً. وفي هذا السياق، أقرت رئيسة الوزراء مته فريدريكسن بضرورة إعادة النظر في نظام الفهرسة التلقائية، قائلة في حوار مع صحيفة بيرلينغسكي: «بمجرد الوصول إلى سنّ السبعين، سيكون من الضروري إعادة التفكير في النموذج». ويقدّر بعض الخبراء أنه في حال عدم القيام بإصلاحات، فقد يبلغ سنّ التقاعد القانوني نظرياً 74 عاماً بحلول سنة 2070. هل يكون النموذج الدنماركي مثالاً لأوروبا؟ يتابع عدد من الدول الأوروبية هذه التجربة عن كثب. ففي إيطاليا، تحدث الوزير باولو زانغريللو بالفعل عن إمكانية السماح للموظفين العموميين بالعمل حتى سنّ السبعين بشكل طوعي. وهو توجّه قد يعيد رسم سياسات التقاعد في مختلف أنحاء القارة. وفي وقت تُطرح فيه بقوّة معادلة التوازن بين مدة الحياة المهنية والصحة والاستقرار المالي، تفتح الحالة الدنماركية نقاشاً جوهرياً حول مكانة كبار السنّ في سوق العمل وحدود نموذج يعتمد فقط على طول العمر. تعليقات