رغم ما يُروج له من أن تطبيقات الاتصال عبر الإنترنت مثل "واتساب" و"فيسبوك ماسنجر" و"فيس تايم" توفر حماية مشددة للمحادثات، فإن الواقع الرقمي يحمل أوجهًا خفية من التتبع لا تقل خطورة عن التنصت المباشر. وبينما يطمئن المستخدم العادي إلى فكرة "التشفير التام بين الطرفين"، تُظهر التقارير الأمنية أن هناك الكثير مما يمكن معرفته عن مكالماتك… دون الحاجة لسماع كلمة واحدة. التشفير ليس درعًا مطلقًا… بل هو جزء من الحكاية تعتمد تطبيقات المكالمات عبر الإنترنت على تقنيات التشفير ثنائي الأطراف، وهو ما يعني أن محتوى المكالمة لا يمكن اعتراضه أو فك شفرته من قِبل أي طرف ثالث – ولا حتى الشركة المزودة للخدمة. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع الجهات المعنية من تتبع "ما حول المكالمة" من بيانات وصفية تكشف الكثير من السلوك الرقمي للمستخدمين. من ينقل مكالمتك؟ الإجابة تحدد مستوى الأمان على عكس المكالمات الهاتفية التي تمر عبر أبراج وخوادم محلية تابعة لشركات الاتصالات، فإن مكالمات الإنترنت تمر عبر خوادم عالمية مملوكة للشركات المطوّرة للتطبيقات، ك"واتساب" أو "آبل". هذه الخوادم قد تكون في قارات بعيدة، ما يفتح المجال أمام تقاطعات قانونية وأمنية تسمح – في بعض الحالات – بجمع وتحليل البيانات المرتبطة بالمكالمة، حتى إن لم تشمل مضمونها. التتبع الصامت: ما يمكن كشفه دون سماعك وفقًا لتقارير صادرة عن شركات أمن سيبراني مثل "Ucybers" و"Acephone"، فإن تتبع المكالمات المشفّرة عبر الإنترنت يتيح الوصول إلى كم هائل من المعلومات، أبرزها: * توقيت المكالمة ومدة الاتصال. * الموقع الجغرافي لكل طرف. * نوع الجهاز المستخدم ورقم تعريف الشبكة (IMSI). * عنوانا الإنترنت (IP) للطرفين. * البروتوكولات والخوادم التي مرت بها المكالمة. * حجم البيانات المنقولة، مما يسمح باستنتاج ما إذا كانت المكالمة صوتية، مرئية، أو حتى مرفقة بوسائط. باستخدام هذه البيانات، يمكن تكوين "بروفايل رقمي" دقيق عن عادات الاتصال، شبكة العلاقات، وحتى نمط الحياة الرقمي للمستخدم. مراقبة أم تتبع؟ تمييز ضروري لفهم الخطر * المراقبة (Surveillance) تعني القدرة على الاستماع للمكالمة أو تسجيلها، وهو أمر يعطله التشفير في معظم التطبيقات الحديثة. * التتبع (Tracking) هو جمع المعلومات المحيطة بالمكالمة (metadata)، وهو ما يزال ممكنًا، بل ويتم بشكل روتيني من قبل بعض الشركات والجهات الحكومية. وبينما يُمنع التنصت بفضل التشفير، فإن التتبع قانوني في كثير من الدول، ويتم أحيانًا بموجب سياسات "الاستخدام العادل للبيانات" أو "مكافحة الإرهاب"، دون علم المستخدم. ما العمل؟ هل نحن مراقبون رغم كل شيء؟ لا توجد وسيلة رقمية تضمن "الخصوصية الكاملة"، ولكن يمكن تقليل المخاطر عبر: * استخدام تطبيقات مفتوحة المصدر تُخضع تقنياتها لتدقيق مستقل (مثل Signal). * تعطيل خدمات الموقع أثناء المكالمات. * استخدام شبكات VPN موثوقة لتشويش العنوان الرقمي. * الحذر من منح أذونات زائدة للتطبيقات. * خلاصة: إذا كنت تعتقد أن التشفير وحده كفيل بحمايتك من المراقبة، فأنت ترى نصف الحقيقة فقط. فالعين الرقمية لا تحتاج إلى سماع صوتك لتعرف عنك كل شيء… أحيانًا، يكفي أن تعرف "متى اتصلت، ومع من، ومن أين". الوعي الرقمي هو خط دفاعك الأول. لا تكن مطمئنًا أكثر مما ينبغي، فبين أرقام البيانات ومواقع الخوادم... هناك دائمًا من يراقب بصمت. تعليقات