تمّ توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968 بهدف الحدّ من انتشار السلاح النووي وحصره في دائرة ضيّقة من القوى المعترف بها: الولاياتالمتحدة، الاتحاد السوفيتي (روسيا اليوم)، الصين، فرنسا والمملكة المتحدة. لكن بعد ستة عقود، تغيّرت موازين القوى الجيوسياسية بشكل عميق. فعدد الدول التي تمتلك السلاح النووي ارتفع إلى تسع، وعدد آخر من الدول قد ينضمّ إلى هذا النادي في السنوات القادمة. سلسلة تحليلات نشرتها صحيفة واشنطن بوست لخبراء في اتحاد العلماء الأمريكيين تحذّر من نقطة تحوّل تاريخية جديدة: احتمال تضاعف عدد القوى النووية خلال العقدين القادمين، نتيجة فقدان الثقة في الحماية الأمريكية، وتصاعد التوتر في عالم متعدد الأقطاب، وتزايد الوصول إلى التكنولوجيا النووية. ثلاث دول تحديدًا تستقطب الأنظار اليوم: كوريا الجنوبية، إيرانواليابان. إليكم التفاصيل. كوريا الجنوبية: معضلة الجار النووي القدرة التقنية: مؤكدة القرار السياسي: مؤجّل تتمتّع كوريا الجنوبية بأحد أكثر البرامج النووية المدنية تطورًا في العالم، بل وتصدّر مفاعلاتها إلى الخارج. وفي سبعينيات القرن الماضي، حاولت لفترة قصيرة تطوير سلاح نووي لكنها تراجعت تحت الضغط الأمريكي. إلا أن تصاعد الخطر القادم من كوريا الشمالية، التي تمتلك عشرات الرؤوس النووية، بدأ يغيّر المزاج العام في البلاد. في جانفي 2023، تحدّث الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول علنًا، ولأول مرة، عن إمكانية امتلاك بلاده لترسانة نووية. واستطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن بين 70 و75% من الكوريين الجنوبيين يدعمون هذه الفكرة. مع ذلك، تظل كوريا الجنوبية تعتمد استراتيجياً على المظلّة النووية الأمريكية. وأي خطوة منفردة نحو التسلّح النووي قد تكلّفها عقوبات أو حتى قطيعة مع واشنطن. إيران: قدرات باقية رغم الضربات القدرة التقنية: وشيكة الإرادة السياسية: غير مؤكّدة لطالما وُجهت لإيران شكوك حول سعيها لامتلاك السلاح النووي. وبعد توقيع اتفاق فيينا (JCPOA) عام 2015، جاء الانسحاب الأمريكي الأحادي سنة 2018 ليعيد التوتر إلى الواجهة. ومنذ ذلك الحين، كثّفت طهران عمليات تخصيب اليورانيوم، حيث وصلت إلى مستويات تفوق 90%، وهو المعدل اللازم لصناعة القنبلة النووية. ويقدّر بعض الخبراء أن إيران باتت قادرة على إنتاج كمية كافية لصنع قنبلة خلال أيام. في جوان 2025، نفّذت الولاياتالمتحدة ضربات منسقة على منشآت نووية إيرانية، أبرزها في نطنز وفوردو. وبحسب التصريحات الرسمية، تسببت تلك الضربات في تأخير البرنامج من 12 إلى 24 شهرًا. لكن تسريبات أشارت إلى أن إيران كانت مستعدة للهجوم، إذ قامت بإخفاء جزء من أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم المخصّب. وعلى الرغم من هذه الضربات، ما تزال البنية العلمية والصناعية والإستراتيجية قائمة. اليابان: القوة الصامتة على أعتاب القنبلة القدرة التقنية: قصوى الموقف السياسي: سلمي رسميًا يُنظر إلى اليابان كأبرز مثال على ما يُعرف ب"قوة عتبة نووية". فهي تمتلك مخزونًا يقدّر ب46.1 طُنًّا من البلوتونيوم، وهو ما يكفي لصناعة نحو 6,000 قنبلة نووية. ومع صناعاتها التكنولوجية المتقدمة، يمكن لطوكيو تصنيع رؤوس نووية في غضون أسابيع إذا قرّرت ذلك. لا تزال الدستور السلمي الياباني والمبادئ المناهضة للتسلّح النووي راسخة، خاصة مع الذاكرة الوطنية المرتبطة بكارثتي هيروشيما وناغازاكي. لكن مع تصاعد التوترات الإقليمية – من اختبارات كوريا الشمالية النووية المتكررة إلى تزايد القدرات النووية الصينية – بدأ بعض الخبراء العسكريين في اليابان ينظرون إلى السلاح النووي ك"شبكة أمان أخيرة". حتى الآن، تظل الحكومة ملتزمة بالمظلّة النووية الأمريكية، لكن هذه المعادلة قد تتغيّر إذا تصاعدت التهديدات أو ضعفت العلاقات مع واشنطن. منطق الدومينو العودة إلى سباق التسلّح النووي لا تفسَّر فقط بالخوف. إنها تعكس تصدّع النظام الدولي للأمن الجماعي. فإذا تخطّت إيران العتبة النووية، فقد تلحق بها السعودية أو مصر. وإذا امتلكت كوريا الجنوبية القنبلة، فقد تفكّر اليابان أو تايوان في الخطوة نفسها. واحتمال انضمام أي دولة كفيل بإطلاق سباق جديد في مناطق متعدّدة من العالم. يُطلق على هذه الدول تسمية "قوى العتبة النووية": تمتلك الوسائل التقنية والاقتصادية لصناعة السلاح النووي، لكنها لم تتخذ القرار بعد. ما دام القرار السياسي مؤجّلًا، تبقى معاهدة عدم الانتشار قائمة. لكن التشققات تزداد وضوحًا. نهاية المحرّم؟ لطالما استند مفهوم الردع النووي إلى "رعب التدمير المتبادل". لكن مع تشكيك قوى جديدة في المظلة الأمريكية وتفكيرها في تسلّح نووي مستقل، يبدو أن التوازن العالمي يزداد هشاشة وغموضًا. حتى الآن، تجنّب العالم سيناريو انتشار نووي واسع. لكن في عصر الشعبويات، الحروب الهجينة والتنافسات المتعدّدة، لم يعد ضبط النفس الجماعي مضمونًا. ووجود دول جاهزة تقنيًا لكنها لم تتخذ القرار بعد، بات عاملًا جديدًا في زعزعة الاستقرار. فهل سيدوّن التاريخ أن القرن الحادي والعشرين شهد عودة العصر النووي؟ أم ستنجح البشرية في استعادة منطق نزع السلاح وخفض التصعيد؟ العدّ التنازلي قد بدأ. تعليقات