عاشت نيويورك مجددًا على وقع مأساة جديدة مساء الإثنين 28 جويلية، حين أقدم رجل مسلح على إطلاق النار داخل ناطحة سحاب في منطقة "ميدتاون مانهاتن"، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، من بينهم شرطي، قبل أن يوجه السلاح إلى نفسه و يرجّح أنه انتحر. و قد وقع الهجوم داخل مبنى "345 بارك أفنيو"، وهو أحد المعالم البارزة في قلب الحي التجاري لمانهاتن، ويضم مكاتب شركات كبرى على غرار بلاكستون (Blackstone)، وكي بي إم جي (KPMG)، ورابطة كرة القدم الأمريكية (NFL). و وفقًا للشرطة، فإن المشتبه به، وهو رجل من أصل هاوايي مقيم في لاس فيغاس و يعاني من اضطرابات نفسية معروفة، تصرّف بمفرده. هجوم عنيف وهادف انطلقت صفارات الإنذار قرابة الساعة السادسة مساءً (بالتوقيت المحلي)، حيث أظهرت كاميرات المراقبة رجلاً ينزل بهدوء من سيارة سوداء، حاملاً بندقية هجومية من طراز M-4. و فور دخوله إلى المبنى، أطلق النار على شرطي، ثم بدأ في إطلاق النار عشوائيًا على المتواجدين في الردهة. رئيسة شرطة نيويورك، جيسيكا تيش، أكدت أن المسلح صعد من طابق إلى آخر، ناشرًا الذعر في صفوف الموظفين الذين كانوا لا يزالون في مكاتبهم. و بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد عُثر على جثته في الطابق 33. وقال شاهد عيان لوكالة الأنباء الفرنسية رافضًا الكشف عن هويته: "كان يتنقل من طابق إلى آخر. كنت داخل المبنى، وكان الأمر سرياليًا". وإلى جانب الشرطي القتيل، لقي رجلان وامرأة حتفهم، فيما نُقل جريح خامس إلى المستشفى في حالة حرجة. و لم تُحدّد بعد دوافع المهاجم، والتحقيقات لا تزال جارية. من جهته، عبّر رئيس بلدية نيويورك، إيريك آدامز، في تغريدة وعلى هامش مؤتمر صحفي، عن إدانته للهجوم واصفًا إياه ب"العنف العبثي"، موجّهًا الشكر لقوات الأمن على تدخلها السريع، وداعيًا في الوقت نفسه إلى تعزيز إجراءات الأمن في المباني الحساسة. و قد حلّقت مروحيات المراقبة فوق المنطقة، بينما طوّقت قوات خاصة مدججة بالسلاح محيط المبنى. وتلقى موظفو الأبنية المجاورة تعليمات بالبقاء في أماكنهم وعدم المغادرة. و قال أحد الموظفين ويدعى شاد ساكيب لوكالة الأنباء الفرنسية: "علمنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن رجلًا مسلحًا اقتحم المبنى. لقد مرّ تحديدًا بالمكان الذي أتناول فيه غدائي كل يوم". من هو القاتل شين تامورا؟ شين تامورا هو رجل كان يقيم في لاس فيغاس، وينحدر من أصول هاوايية، وكان يحمل رخصة لحمل السلاح المخفي في ولاية نيفادا. عمل لفترة وجيزة كمحقق خاص، وكان يحمل رخصة لمزاولة المهنة انتهت صلاحيتها لاحقًا. و قد مارس كرة القدم الأمريكية خلال فترة دراسته الثانوية في "ثانوية غرناطة هيلز تشارتر" بولاية كاليفورنيا، حيث كان يُعتبر عداءً واعدًا. و أكد المحققون أن له سجلًا طبيًا موثقًا في ما يخص اضطرابات نفسية، سبق للسلطات في لاس فيغاس أن أبلغت بها، دون أن تُسجَّل في حقه أية إدانات جنائية كبرى في السابق. و يُعتقد أنه قطع الولاياتالمتحدة من الغرب إلى الشرق بسيارته قادمًا من نيفادا، وتوقف في كل من كولورادو، ونيفراسكا، وآيوا، قبل أن يصل إلى نيويورك قبيل الساعة السادسة مساءًا. و قد وُجدت سيارته من نوع "بي إم دبليو" وتحمل لوحات نيفادا، مركونة قرب المبنى، وبداخلها ذخيرة وحقائب وأدوية. أزمة مزمنة في الولاياتالمتحدة تُضاف هذه الحادثة إلى سلسلة مظلمة من حوادث إطلاق النار في الولاياتالمتحدة. ففي عام 2024 وحده، لقي أكثر من 16 ألف شخص حتفهم بأسلحة نارية، دون احتساب حالات الانتحار، بحسب منظمة "أرشيف عنف السلاح" (Gun Violence Archive). و تبقى الولاياتالمتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة التي يفوق فيها عدد الأسلحة عدد السكان، ولا تزال تشريعاتها عاجزة عن وقف هذا النزيف. و تأتي هذه المجزرة بعد بضعة أشهر فقط من اغتيال براين تومسون، الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد هيلث كير"، في نفس الحي. و هو ما يعيد إلى الواجهة النقاش المتجدد حول ضبط انتشار الأسلحة، ومعالجة الاضطرابات النفسية، وهما قضيتان باتتا متلازمتين في المشهد الأمريكي. و هكذا، تُلقي جريمة "345 بارك أفنيو" بظلال قاتمة على قلب مانهاتن الاقتصادي. وبينما تستمر أمريكا في عدّ ضحايا العنف المسلّح، تتعالى الأصوات المطالِبة بالتحرك. لكن على أرض الواقع، تبقى الحقيقة المؤلمة على حالها: الرصاص ما زال يتكلم، بينما تظل السياسة صامتة. تعليقات