تمّ تجاوز العتبة الرمزية و الحرجة في فرنسا. فبحسب المعطيات التي نشرتها وزارة العدل الفرنسية اليوم الجمعة 1 أوت 2025، بلغ عدد السجناء في فرنسا بتاريخ غرة جويلية 84.951 سجينًا و هو ما يُعد رقمًا قياسيًا جديدًا في تاريخ البلاد. هذا العدد تجاوز ما تم تسجيله في غرة جوان و الذي كان في حد ذاته غير مسبوق. و بالمقارنة ، لا يتجاوز عدد الأماكن الصالحة للاستخدام في السجون الفرنسية 62.509، مما يرفع معدل الاكتظاظ إلى 135,9% كمعدل عام. و هي كثافة مقلقة تعكس حالة الاختناق المزمن الذي يشهده النظام السجني في فرنسا. و الأسوأ من ذلك، أن 29 سجنًا أو جناحًا سجنيًا تجاوزت فيها نسبة الاكتظاظ 200%، ما يدل على حالة من التشبّع القصوى. أزمة بنيوية مستمرة تعكس هذه الزيادة الجديدة ديناميكية مقلقة تتواصل منذ عدّة أشهر. فالارتفاع المستمر في عدد السجناء يطرح تحديات كبيرة على مستوى الإدارة و الأمن و احترام حقوق الإنسان. و تُعدّ السجون المخصصة للموقوفين تحفظيًا أو للمحكومين بعقوبات قصيرة الأكثر تضررًا من هذا الاكتظاظ. و قد سبق للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن وجّهت انتقادات متكررة لفرنسا بسبب ظروف الاحتجاز التي اعتبرتها غير إنسانية، لا سيّما بسبب انعدام المساحة الحيوية، وغياب الخصوصية و تصاعد التوتر بين السجناء و أعوان السجون. معادلة جزائية بحاجة إلى مراجعة رغم الإعلانات المتكررة عن إحداث أماكن جديدة في السجون و بناء مؤسسات سجنية إضافية، فإن العرض السجني لا يزال غير قادر على مجاراة نسق السياسة الجزائية القائمة على التوسّع في اللجوء إلى السجن. كما أن تطوير البدائل مثل السوار الإلكتروني و تخفيف العقوبات يظل غير كافٍ لمجابهة تزايد أعداد الداخلين إلى المنظومة. و تدعو هذه الأرقام أيضًا إلى التساؤل حول مدى نجاعة الاستجابة القضائية لظاهرة الجريمة و قدرة المنظومة على إعادة إدماج المحكومين بشكل فعّال و مستدام. و قد طالبت عدّة نقابات للقضاة و أعوان السجون بتغيير جذري في التوجّه، يقوم على إعطاء الأولوية للوقاية و إعادة الإدماج بدلًا من الاكتفاء بالحلّ العقابي. نحو مأزق أمني و اجتماعي ؟ الرقم المسجّل في جويلية 2025 لا يمثّل مجرد رقم قياسي إحصائي، بل يرمز إلى مأزق بنيوي. فمع استمرار تأجيل الإصلاحات الجوهرية، تُعرّض فرنسا نفسها لتصاعد التوترات الاجتماعية داخل مؤسساتها السجنية و تدهور ظروف عمل أعوان السجون، بالإضافة إلى التعرّض لعقوبات متكررة من الهيئات الأوروبية. و رغم ما يُقال عن ضرورة بناء أماكن إضافية، فإن ذلك لا يجيب عن السؤال الجوهري : ما هو معنى العقوبة في دولة ديمقراطية ؟ و في حال غياب توازن حقيقي بين الردع و العقوبات البديلة، قد يُصبح الاكتظاظ السجني، في المدى القريب، العامل الأساسي لانهيار المنظومة السجنية في فرنسا. تعليقات