زلزال سياسي يلوح في الأفق قبل شهر واحد من الانتخابات المبكرة في هولندا. فبحسب استطلاع حديث، يحظى أحمد أبو طالب، العمدة السابق لمدينة روتردام والمنحدر من أصول مغربية، بتأييد الناخبين لتولي منصب رئيس الوزراء. واقعة نادرة تستحق التوقف عندها في أوروبا التي تنغلق على ذاتها فيما مجتمعاتها تزداد تنوعاً. المشهد الهولندي يبدو مغايراً تماماً لفرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا، حيث تهيمن اليمين المتشدد واليمين المتطرف على الساحة. تقدم مفاجئ في نوايا التصويت الاقتراع مقرر في 29 أكتوبر المقبل، وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن أبو طالب يتصدر خيارات الناخبين. هذا الاختراق غير المتوقع قد يعيد خلط جميع الأوراق. الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 1200 ناخب يمثلون مختلف الفئات، وضع السياسي المغربي الأصل في المرتبة الأولى بنسبة 13% من نوايا التصويت، متقدماً على الشعبوي المعادي للإسلام خيرت فيلدرز (حزب الحرية، PVV) الذي نال 11%. ويليه كل من هنري بونتنبال (الحزب المسيحي الديمقراطي، CDA) وفرانس تيمرمانس (تحالف اليسار الأخضر-العمال، GroenLinks-PvdA) بنسبة 7% لكل منهما. هذه النتائج تكشف تحولات كبيرة في توجهات الناخبين: أبو طالب يحظى بدعم خريجي الجامعات وكبار السن، في حين يتمتع فيلدرز بشعبية واسعة بين ذوي التعليم المتوسط أو المهني. انتخابات مبكرة في ظل اضطراب سياسي هذا الاستطلاع يأتي في سياق أزمة سياسية. الانتخابات المبكرة فُرضت بعد سقوط الحكومة، إثر انسحاب حزب الحرية من الائتلاف الحاكم. أما رئيس الوزراء مارك روته فقد اتجه نحو حلف الناتو، واضعاً نفسه – وربما بشكل مبالغ فيه – في خدمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أبو طالب يملك حظوظاً قوية لتولي رئاسة الحكومة، غير أن المنافسة مع حزب الحرية (PVV)، والحزب الليبرالي (VVD)، وتحالف اليسار الأخضر-العمال (GroenLinks-PvdA) ستكون شرسة. من الناظور إلى قمة السياسة الهولندية وُلد أحمد أبو طالب عام 1961 في بني سيدال بإقليم الناظور شمال المغرب، وهاجر إلى هولندا وهو في الخامسة عشرة من عمره. درس هندسة الاتصالات، وعمل في البداية صحافياً قبل أن ينخرط في العمل السياسي. مساره كان متدرجاً: عضو مجلس بلدي في أمستردام، ثم كاتب دولة للشؤون الاجتماعية والعمل، قبل أن يُنتخب عمدة لمدينة روتردام بين 2009 و2024. إنه أول عمدة لمدينة هولندية كبرى من أصل مغربي ومسلم. وخلال فترة ولايته، حققت روتردام نتائج لافتة في سياسات الإدماج الاجتماعي والتنمية المستدامة. وفي عام 2021، نال لقب "أفضل عمدة في العالم" بفضل مبادراته لتعزيز المساواة والتماسك الاجتماعي. كما عززت إدارته للأزمات، ولا سيما بعد هجوم 2015، صورته كزعيم قوي ورصين. نحو سابقة تاريخية محتملة وصوله إلى رئاسة الحكومة سيكون سابقة في هولندا، مع ما قد يحمله من أثر ملموس على المشهد السياسي الوطني في وقت تتراجع فيه الأحزاب التقليدية. الشعبية الصلبة لأبو طالب قد تعيد رسم الخريطة السياسية بعمق، إذ يرى فيه المواطنون الكفاءة والخبرة قبل اللون أو الأصل، وهذا تحول نوعي. نظام انتخابي محفّز للتجزئة هذه الدينامية الجديدة تعززها طبيعة النظام الانتخابي الهولندي القائم على التمثيل النسبي بدائرة وطنية واحدة وبعتبة انتخابية منخفضة. غير أن هذا النظام يغذي في الوقت نفسه تشتت الخريطة الحزبية ويضعف استقرار التحالفات الحكومية، ما يؤدي إلى اضطرابات سياسية متكررة. الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان السياسي المغربي الأصل سينجح حيث أخفق روته... تعليقات