في حين يرى كثير من الفرنسيين أن القضاء كان صارمًا جدًا مع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، خاصة في غياب أدلة رسمية في ملف التمويل الليبي، فإن استعراضه الإعلامي عند خروجه من المحكمة الجنائية بباريس أحرج و أثار صدمة حتى لدى أنصاره. فبعد تحديه للصحافة الوطنية و الدولية ، تلاه خروجه المثير للجدل إلى مطعمه بعد ساعات قليلة من صدور الحكم ، هاهي متاعب جديدة تلوح في الأفق أمام ساركوزي. فالمصائب لا تأتي فرادى. شكوى جماعية من المحامين كشفت قناة BFM TV أن نحو عشرين محاميًا تقدموا أوّل أمس الأربعاء 1 أكتوبر بشكوى ضد الرئيس الأسبق، متهمينه بالإساءة لصورة المؤسسة القضائية من خلال هجومه العنيف عليها عقب الحكم الصادر ضده بالسجن خمس سنوات نافذة، مع تنفيذ فوري رغم تأجيل الإيداع (أي أنه سيدخل السجن حتى في حال استئناف الحكم). من الصعب على ساركوزي أن ينكر هجومه المباشر على القضاء الذي كان هو نفسه ضامنه بين 2007 و 2012، إذ انتقد القضاة علنًا أمام عدسات الكاميرات. تجاوز الحدود كان دائمًا مشكلة ساركوزي و هو ما عجل بنهاية مسيرته السياسية بعد ولاية رئاسية واحدة فقط. تصريحات مثيرة للجدل الجريمة المفترضة ثابتة من الناحية القانونية، حتى و إن كان في الواقع لن يُعاقب بعقوبة تعادل قسوة الحكم الأصلي بخمس سنوات، إلا إذا رأت محكمة الاستئناف خلاف ذلك. و قد صعّد ساركوزي من لهجته في مقابلة مع صحيفة JDD نشرت نهاية الأسبوع الماضي ، حيث أكد أن «كل حدود دولة القانون قد انتُهكت» ، و أنّه لن «ينحني أمام الكذب والمؤامرة و الإهانة» و لا أمام «ممارسات مناقضة لدولة القانون». كلام كهذا «لا ينبغي أن يصدر عن رئيس سابق»، لكن يصعب قول ذلك للرجل الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الجمهورية الخامسة. بالنسبة ل18 محاميًا، ممثلين من قبل الأستاذ جيروم جوستي ، فإن تصريحات ساكن قصر الإليزي الأسبق «تشكل فعلًا متعمدًا لتشويه سمعة المؤسسة القضائية، من شأنه إضعاف ثقة المواطنين في حياد القضاء و استقلاليته»، وفق نص الشكوى. عقوبات محتملة المحامون المشتكون ذكّروا بأن القانون الجنائي ينص على عقوبة بالسجن 6 أشهر و غرامة قدرها 7500 يورو في حال ثبوت مثل هذا التجاوز. و أكّدوا أن تصريحات ساركوزي «تضر بدولة القانون» و «تتسم بخطورة خاصة» و لا يمكن اعتبارها مجرد انتقاد لحكم قضائي أعلن المعني بالأمر أنه سيستأنفه. و أضافوا أن الرئيس الأسبق ، بحكم موقعه ، «يدرك تمامًا ثقل كلماته و الأثر المباشر لها على الرأي العام. و كلامه يمسّ ليس فقط بالحكم الصادر و القضاة الذين أصدروه ، بل و بالاحترام الواجب للمؤسسة القضائية»، وفق ما شدّد عليه فريق المحامين. و اعتبروا أن من واجبهم ك«مساعدين للعدالة» و بما أنهم «يساهمون في سير المرفق العمومي للقضاء» أن يتقدموا بهذه الشكوى. خلفية القضية تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس المحكمة القضائية بباريس، بيمن غاليه مرزبان، كان قد ندد يوم الاثنين الماضي أكثر من مرة ب«التشويه» الذي طال المؤسسة القضائية عقب الحكم الصادر عن الغرفة الثانية و الثلاثين و هو الحكم الذي تسبب أيضًا في تلقي رئيسة المحكمة، ناتالي غافارينو، تهديدات بالقتل. و عندما سُئل مكتب المدعي العام بباريس الاثنين عن فتح تحقيق بهذا الخصوص، آثر التزام الصمت. تعليقات