كانت السلطات المغربية قد وعدت باتخاذ إجراءات عاجلة لإخماد نيران الغضب التي اندلعت عقب المأساة الوطنية بمستشفى الحسن الثاني في أكادير، حيث فقدت ثماني نساء حوامل حياتهن. و قد تحركت وزارة الصحة بسرعة، فأصدرت عقوبات غير مسبوقة في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي : إذ تم عزل سبعة أطباء و «تعليق مهام سبع قابلات و أربعة ممرّضين مختصين في التخدير و الإنعاش». لكنّ أفراد الطاقم الطبي الذين لم يُعزلوا بعدُ لم ينجوا تمامًا من المحاسبة ، إذ سيتعيّن عليهم المثول أمام مجالس تأديبية لتقديم تفسيراتهم. فالوزارة أرادت أن يدفع المسؤولون الثمن و هو الحد الأدنى بعد موجة الغضب و الاستنكار التي أثارتها فاجعة أكادير. غير أنّ هذه العقوبات أصابت المؤسسة نفسها بالشلل ، مخلفةً عواقب وخيمة على المرضى. من المؤكد أن وزير الصحة فكّر في هذه العواقب قبل أن يطلق هذه الإجراءات الواسعة ، لكن أمام ضغط الشارع كان لا بدّ من «ضحايا». و لم تشفع الصعوبات التنظيمية التي يعانيها المستشفى أمام موجة الغضب العام. و من بين الأطباء الذين أُقيلوا أستاذ جامعي في اختصاص أمراض النساء و التوليد و طبيبان في التخدير و الإنعاش و عدد من الأخصائيين الآخرين. لكن من سيخلفهم ؟ و من سيتكفل بعلاج المرضى؟ تم حسم مصير هؤلاء الأطباء بعد أن أحالت وزارة الصحة تقرير التفتيش العام إلى النيابة العامة ، ما فتح الباب أمام مسار قضائي لا يسمح ببقائهم في مواقعهم. و يمكن تفهّم هذا القرار في انتظار نتائج التحقيقات ، غير أنّ تبعات العقوبات الإدارية تظل ثقيلة. لقد عمّقت هذه القرارات النقص الحاد في الكوادر الطبية داخل مؤسسة تعاني أصلاً من قلة الموارد البشرية. و لم يُعوض الأطباء المبعدون حتى الآن، ما اضطر المديرية الجهوية إلى اللجوء إلى حلول مؤقتة لترقيع هذا النقص، مثل الاستعانة بطواقم من المستشفيات الإقليمية المجاورة و هي حلول هشّة و غير مضمونة، إذ لكل مستشفى مشاكله الخاصّة. و من النتائج الفورية لذلك أنّ قسم التوليد في مستشفى أكادير لم يبقَ فيه سوى طبيب واحد بعد إقالة الطبيبين الآخرين ، ما يجبره على القيام بمناوبات مرهقة و أداء عمل ثلاثة أطباء. و الأمر نفسه ينطبق على قسم الإنعاش، الذي أصبح يعتمد على طبيب تخدير واحد فقط ، رغم وجود ثماني غرف عمليات في المستشفى ، من المفترض أن يشرف على كل منها مختص مستقل. و ذكرت صحيفة الأخبار أنّ «هذا الجوّ المتوتر أدى كذلك إلى موجة احتجاج غير معلنة في صفوف العاملين» ، إذ علّق بعض الأطباء الداخليين عملهم إلى حين افتتاح المركز الاستشفائي الجامعي الجديد ، بينما رفض الممرضون المختصون في التخدير القيام بأي تدخل دون إشراف مباشر من الأطباء، ما أدى إلى شلل تام في الأقسام. باختصار ، لقد أدّت قرارات السلطات إلى حالة من الفوضى في الجهة و أصبح إيجاد حلول عاجلة أمراً لا يحتمل التأجيل و إلا ستقع مآسٍ جديدة. الكاتب المغربي المعروف الطاهر بن جلون كان قد قدّم نصائح – ليس في قطاع الصحة فقط – لترميم جراح المملكة ، لكن من المؤكد أنّ إقالة الأطباء قبل تنظيم البدائل المناسبة ليست من بين الحلول الجذرية التي تحدث عنها بن جلون. تعليقات