رغم الظروف الاقتصادية والجيوسياسية العالمية غير المواتية، سجّل القطاع السياحي في تونس نموًا ملحوظًا خلال عام 2025، مؤكّدًا صلابة هذه الصناعة التي تُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني. وبحسب بيانات صادرة عن الإدارة العامة للدراسات، فقد زار تونس أكثر من 6,12 ملايين سائح أجنبي حتى نهاية شهر أغسطس 2025، أي بزيادة قدرها 8,5% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. كما شهد عودة التونسيين المقيمين بالخارج (TRE) ارتفاعًا بنسبة 7,6%، حيث انتقل عددهم من 965 591 في 2024 إلى 1 038 936 في 2025. وبذلك، بلغ العدد الإجمالي للوافدين — من السياح الأجانب والمغتربين — 7 162 936 زائرًا خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة، مقابل 6 611 246 خلال الفترة نفسها من العام الماضي، أي بنسبة نمو إجمالية قدرها 8,3%. المغاربيون في صدارة الزوار يُهيمن الزوار المغاربيون على الترتيب، إذ بلغ عددهم 3 721 685 زائرًا، بزيادة قدرها 8% مقارنة بعام 2024. ويواصل الجزائريون تصدّر القائمة ب 2 113 862 وافدًا، رغم تراجع طفيف بنسبة −0,6%. أما الليبيون، فقد حققوا زيادة لافتة بلغت +22,9% ليصل عددهم إلى 1 553 595 زائرًا. وسجّل المغاربة تراجعًا بنسبة −4,5% مع 34 446 وافدًا، في حين ارتفع عدد الموريتانيين بنسبة +10,2% ليصل إلى 19 782 زائرًا. وتُبرز هذه الديناميكية الإقليمية متانة السوق المغاربي الذي يُعدّ ركيزة أساسية للسياحة التونسية، خصوصًا في مرحلة ما بعد الجائحة. السياحة الأوروبية تواصل انتعاشها كما ارتفع عدد الزوار الأوروبيين بنسبة +8,9%، ليبلغ 2 217 493 سائحًا مقابل 2 035 774 في 2024. ويظل الفرنسيون في الصدارة ب 803 794 زائرًا (+8%). وسجّل البريطانيون أعلى معدل نمو بنسبة +44,6% ليصل عددهم إلى 300 591 وافدًا — وهو رقم قياسي يُعزى إلى زيادة الرحلات الجوية بين المملكة المتحدة ومطاري النفيضة-الحمامات والمنستير. وجاء البولنديون في المرتبة الثالثة ب 233 292 زائرًا (+2,3%)، في حين تراجع عدد الألمان قليلًا إلى 196 660 (−2,8%). وتعكس هذه التنوّعات السوقية انتعاشًا متوازنًا بين الأسواق التقليدية والوجهات الأوروبية الجديدة. عودة خجولة ولكن واعدة للسوق الروسية بعد سنوات من التعثّر نتيجة تعليق الرحلات الجوية وتوقّف رحلات شركة Biblioglobus، شهد السوق الروسي انتعاشًا واضحًا، إذ ارتفع عدد السياح الروس من 7 723 فقط في 2024 إلى 22 527 في 2025، أي بزيادة قدرها +191,7%. ومع ذلك، يعتبر الخبراء أنّ هذه النتائج لا تزال دون المستوى المستهدف، حيث كان الهدف الأصلي بلوغ 500 ألف زائر روسي. وقد حدّت المشاكل اللوجستية مع شركة Express Airline وتعليق بعض الرحلات العارضة (charter) من هذا التعافي، رغم أنّ السوق الروسي لا يزال يُعتبر استراتيجيًا لتنويع قاعدة الزبائن. أداء مالي قوي لم يقتصر تحسّن السياحة التونسية على ارتفاع أعداد الزوار فحسب، بل شمل أيضًا زيادة كبيرة في العائدات. فقد بلغت الإيرادات 5 443,8 ملايين دينار تونسي (+8,6%)، أي ما يعادل 1 625 مليون يورو (+9,4%) و1 795 مليون دولار (+11,5%). وتُظهر هذه الأرقام ارتفاع متوسط إنفاق السائح الواحد وتحسّن جودة الخدمات السياحية في تونس. الطاقة الاستيعابية ونسب الإشغال بقيت الطاقة الاستيعابية الفندقية شبه مستقرة عند 177 917 سريرًا، في حين ارتفعت نسبة الإشغال إلى 43,6%، أي بزيادة قدرها 1,5 نقطة عن عام 2024. أما عدد الليالي المقضاة، فقد ارتفع بنسبة +8,3%، من 6,61 ملايين إلى 7,16 ملايين ليلة، ما يعكس تحسّنًا في متوسط مدة الإقامة. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، ما تزال التحديات عديدة، أبرزها ضعف الربط الجوي الذي يُقيّد تنويع الأسواق السياحية. ويُعدّ الانتعاش البطيء للسوق الروسي مثالًا واضحًا على الحاجة إلى استراتيجية أكثر طموحًا وتنظيمًا لاستعادة هذا السوق الحيوي. وفي الوقت نفسه، يتعيّن على تونس تطوير عرضها السياحي لمواكبة التحولات العالمية، من خلال التركيز على السياحة المستدامة والرقمية وتعزيز جودة الخدمات وتجربة الزائر. نحو ترسيخ مستدام للسياحة التونسية تُؤكّد نتائج الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 قدرة الوجهة التونسية على الصمود وتجديد جاذبيتها. غير أنّ تحويل هذا الانتعاش إلى نمو مستدام يتطلّب الاستثمار في: * تحديث البنية التحتية الجوية، * تنويع الأسواق المصدّرة للسياح، * وإبراز التراثين الثقافي والطبيعي للبلاد. يثبت الأداء القوي للموسم السياحي أنّ السياحة التونسية ما تزال من الدعائم الاقتصادية الرئيسة للبلاد، لكنها مطالبة اليوم بمواصلة جهودها لترسيخ مكانتها كوجهة رئيسية على الخريطة السياحية للبحر الأبيض المتوسط. تعليقات