بعث مشروع قانون المالية لسنة 2026 برسائل ايجابية واضحة، مفادها أن السلطة التنفيذية تتجه نحو الإمساك بزمام الأمور في مسألة الزيادات في الاجور، عبر إصدار أمر حكومي يُعمم الترفيع فيها خلال السنوات الثلاث المقبلة بما يشمل المتقاعدين، في إطار مزيد تكريس الدور الاجتماعي للدولة. وتحاول السلطات المالية تطبيق سياسات مستحدثة في استعادة الدور الاجتماعي للدولة، حيث سبق أن أعلنت عن زيادة في الأجر الأدنى المضمون، بشكل مباشر، دون المرور بسياق تفاوضي. انتظام صرف الزيادات من المرجّح أن يكون تعثّر المفاوضات في القطاع الخاص لاعتبارات قطاعية وفنية مختلفة، وعدم توصل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إلى اتفاق بشأن زيادة أجور 1.5 مليون عامل لسنة 2025، من أسباب قرار السلطات التنفيذية استعادة دورها في تعديل الاجور، بفرض انتظام صرف الزيادات كل ثلاث سنوات. وعلى هذا الاساس، تتجه السلطات إلى صرف زيادات الاجور لموظفي القطاعين العمومي والخاص خلال السنوات الثلاث المقبلة دون إجراء مفاوضات، وذلك لأول مرة منذ عام 1972، تاريخ توقيع الاتحاد العام التونسي للشغل أول اتفاق إطاري مع الاتحاد العام للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. وقد أدرجت الحكومة، ضمن مشروع قانون المالية الذي أُحيل على مجلس نواب الشعب، فصلا يتعلق بالزيادات في الاجور وجرايات المتقاعدين لسنوات 2026 و2027 و2028، سيتم تحديد قيمتها بموجب أمر حكومي يصدر بعد المصادقة على قانون المالية ودخوله حيّز التنفيذ مطلع العام المقبل. وكشف الفصل المتعلق بزيادة الاجور في القطاعين العمومي والخاص أن السلطات تنوي اتخاذ قرار الترفيع في الأجور دون إبرام اتفاق تفاوض، خلافًا لما جرت عليه العادة في جولات المفاوضات الاجتماعية السابقة. مجابهة متواصلة للتضخم انعكست اوضاع اقليمية ودولية مختلفة، في السنوات الفارطة، على معطيات المقدرة الشرائية للأجراء في البلاد حيث اثر الغلاء على بعض الفئات الاجتماعية من الموظفين والمتقاعدين، اذ كشفت بيانات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أن معدل الاجور الشهرية لنحو 670 ألف موظف في القطاع العمومي هو في حدود 1387 دينارًا للفرد، يُنفق منها 40% على الأكل والتنقل. وأظهرت المؤشرات الاحصائية أن حجم الزيادات في الاجور التي حصل عليها الموظفون خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2022 بلغ 471 دينارًا. وخلال السنوات الماضية، اثر التضخم في عدة شرائح من المواطنين وهو الذي بلغ ذروته في فيفري 2023 بنسبة 10.4%، قبل أن ينخفض إلى 5% الشهر الماضي. وبدا التونسيين يشعرون بشكل فعلي بأثر هذا التراجع على معيشتهم اليومية، اذ استقر التداين الذي يشمل أكثر من 34% من الأسر التي تعتمد على الاقتراض لتغطية نفقاتها. ويتوقع البنك المركزي التونسي استمرار الضغوط التضخمية، مؤكدًا في آخر بيان لمجلس إدارته نهاية جولية الماضي أن "مخاطر ارتفاع مسار التضخم لا تزال قائمة، ومن الضروري مواصلة دعم عملية انكماش التضخم الجارية، وإعادة التضخم إلى مستواه المتوسط على المدى الطويل عبر تثبيت سعر الفائدة".