لم تتطور الإنسانية كثيراً في نهاية المطاف، وإلا لما شهدنا حرباً عالمية أولى ثم ثانية، وها نحن اليوم نقترب من حافة حرب ثالثة. لست أبالغ كثيراً. لو كان الإنسان قد تحسّن فعلاً منذ أسلافه الأوائل، لما رأينا تلك الفظائع التي لا توصف في أوكرانيا، وغزة، والسودان، وكل تلك المآسي التي لا تُحصى قبلها. مهما تجمّلنا برداء الحداثة، تبقى الأمور دائماً معادلة بين مُهيمنين ومُهيمَن عليهم، بين الأقوياء والضعفاء. أما الضمير العالمي – منظمة الأممالمتحدة – فلا يغيّر شيئاً. هناك «المفترسون» (روسيا مثلاً، بحسب الرئيس الفرنسي)، وهناك القوة الهادئة (الصين، التي ليست هادئة تماماً)، و هناك من يطمحون إلى أن يكونوا كذلك (ومنهم الاتحاد الأوروبي)، وهناك القوة المتوغّلة (الولاياتالمتحدة)، وهناك الفرائس التي يقتات منها كل هذا العالم. وهايتي واحدة منها. إنه أحد أفقر بلدان العالم، بؤرة مركّزة للبؤس، والانقلابات المستمرة، وعدم الاستقرار السياسي المزمن، والانهيار الأمني... باختصار، كل ما يمكن تخيّله من عوائق تقف في طريق اليقظة الاقتصادية والتنمية. و على ما يبدو ستبقى الحال كذلك لعقود طويلة و ربما أكثر، وفقاً لما كشفه هذا العرض الصادم في برنامج «الجيوسياسة العميقة» على قناة GPTV. و قد كشف الكاتب و الناشر الفرنسي باتريك بازان ما يلي : – «بالطبع، مثل الجميع، طرحت على نفسي السؤال التالي : لماذا افتعال زلازل في هايتي؟ وما قرأته وقتها هو أن الصينيين بدأوا يشترون أراضي في الجزيرة، وشرعوا في القيام بعمليات حفر اختبارية لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على محروقات... لأن هذا ما لا يُقال أبداً: من المفترض أن تكون هايتي واحدة من أغنى دول العالم، فهي تقع فوق نفس الخزان النفطي الذي يقع عليه فنزويلا، إنه في الواقع الحقل نفسه. غير أن الولاياتالمتحدة قررت أن هذا مخزونها الاستراتيجي. لذلك لا يحق للهايتيين استغلال نفطهم. وبالمناسبة، لا أعلم إن كنتم تتذكرون، في فترة ما – لا أتذكر السنة بالضبط – لكن عندما كان دومينيك دو فيلبان رئيساً للوزراء في فرنسا، أرسلت الولاياتالمتحدةوفرنسا مهمة لإزاحة جان أريستيد، رئيس هايتي المنتخب. وقيل لنا حينها: تفهمون، إنه طاغية... إلى آخر هذه الرواية. فقلت لنفسي : ممتاز، إذا بدأوا بإزالة الطغاة من على وجه الأرض، فسنصل إلى... عاشت الديمقراطية الأمريكية ! و بالطبع قلت لنفسي إننا لن نتأخر كثيراً قبل أن نفهم ما الذي حدث ولماذا ذهبوا إلى هناك. و هكذا، أزاحوا جان أريستيد، وبعدها بنحو 6 أو 8 أشهر قرأت خبراً صغيراً مفاده أن شركة هاليبرتون الشهيرة – ديك تشيني وكل تلك المجموعة... تعرفونها –» – «ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي آنذاك...» – «نعم، نائب بوش... تلك المجموعة التي حصلت على عقود تزويد الجيش الأمريكي بالمحروقات في العراق، من دون أي مناقصة. المهم... هاليبرتون أعلنت أنها اكتشفت النفط قبالة سواحل هايتي قبل 6 أو 8 أشهر». اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات