هناك مقولة تفيد بأن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على النفط العالمي، ومن يسيطر على النفط العالمي يسيطر على اقتصاد العالم. إدارة نفطية ومن المعروف أن الرئيس الأميركي "جورج بوش" وعائلته هم من أقطاب صناعة النفط بولاية تكساس، ويشترك معه نائبه المحنك" ديك تشيني" في اهتمامها بصناعة النفط، فضلا عن كثير من أركان الإدارة الأميركية، اللذين كونوا ما أطلق عليه المراقبون "اللوبي النفطي". وفور تسلمه مهام منصبه، جعلت إدارة "بوش" السياسات النفطية على رأس أولوياتها، في الولاياتالمتحدة التي تستهلك وحدها أكثر من 25% من إجمالي الطاقة في العالم، كما أنها تستهلك وحدها ربع إنتاج العالم من النفط.، وتنتج أميركا 37% تقريبا مما تستهلكه؛ أما بالنسبة للاحتياطي؛ فهو يكفي لمدة 11.3 سنة ، بينما الشرق الأوسط - على سبيل المثال - لديه احتياطي يكفيه لمدة 63 سنة. استراتيجية الهيمنة ويقول مراقبون إن ما مرت به منطقة الشرق الأوسط، منذ عام 1973، - بعد القرار العربي بوقف تصدير النفط لدول الغرب- يدل على وجود استراتيجية أميركية موضوعة للسيطرة على منابع النفط في العالم، وتحويل الولاياتالمتحدة الأميركية إلى المسيطر الوحيد على منابع النفط بدون منافس. وبعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي، توجهت الإدارة الأميركية إلى الدخول في آسيا الوسطى؛ بهدف السيطرة على الجمهوريات السوفيتية السابقة الغنية بالنفط. تأمين إمدادات النفط ويقول خبراء إن ما يوجه سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، ينحصر في هدفين: هما تأمين إمدادات النفط والحفاظ على أمن حليفتها إسرائيل. إن توفير النفط - بأسعار مستقرة - هو هدف استراتيجي للولايات المتحدة؛ فما زال اعتمادها على نفط الشرق الأوسط كبيرا، برغم الأهمية المتزايدة للإمدادات من مناطق أخرى. سوق كبير لاستيراد الطاقة وكان وزير الطاقة الأميركي "سام بودمان" قد قال في مارس الحالي: إن الولاياتالمتحدة ستبقى سوقا كبيرة لاستيراد النفط والغاز في الأجل القريب. وقال" بودمان" :إن بلاده ستشجع شركات الطاقة الروسية على تملك مرافئ للغاز الطبيعي المسال في الولاياتالمتحدة وذلك للتقليل من اعتماد الولاياتالمتحدة على مصادر محدودة لتزويدها بالطاقة. تنويع مصادر الطاقة وفي مايو من عام 2001 قدم نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" تقريرا عن سياسة الطاقة القومية، وكيفية تأمين الاحتياجات النفطية الأميركية خلال الخمسة وعشرين عاماً المقبلة. وذكر التقرير أنه مع الاعتراف بأن الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط "غير المستقرة" سوف تبقى محورية بالنسبة للأمن النفطي العالمي وبتركيز خاص من سياسة الطاقة العالمية للولايات المتحدة، إلا أن الاهتمام بالنفط يجب أن يكون عالميا، بالتركيز على مناطق جديدة من أجل توازن الطاقة العالمي. وذكر التقرير منطقة بحر قزوين باعتبارها مثالا لمنطقة إمداد للطاقة جديدة وسريعة النمو. تهديدات متنوعة وفي مجال الطاقة تعرضت الولاياتالمتحدة - ولا تزال – لتهديدات من دول مختلفة بقطع إمدادات الطاقة عنها، للتأثير على السياسة الأميركية، وكأن هذه الدول أصبحت تتكلم مع أميركا باللغة التي تفهمها؛ حيث الاهتمام أولا وأخير بأمن الطاقة، ومن هذه الدول إيران التي حذرت الولاياتالمتحدة في مارس الحالي من أنها يمكنها أن تنزل بها "الضرر والألم" في حالة إقناع واشنطن مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على طهران بسبب ملفها النووي. وفي تعليق على هذه التصريحات قال الرئيس الأميركي "جورج بوش": إنه يعتقد أن تهديدات إيران تتعلق بحاجة أميركا إلى موارد الطاقة المستوردة، وقال:إنه لمصلحة الأمن القومي الأميركي . فإن على بلاده أن نتخلص مما أسماه إدمان النفط" وفنزويلا أيضا وإذا انتقلنا للعلاقات بين الولاياتالمتحدة وفنزويلا؛ فسنجد أن الخلافات السياسية المتعددة بين الجانبين دفع الرئيس الفنزويلي – الذي لا يترك مناسبة إلا ويوجه انتقادات حادة للإدارة الأميركية- يستخدم اللغة نفسها. فبالرغم من أن العلاقات النفطية بين الولاياتالمتحدة وفنزويلا بقيت بعيدة عن الصراع السياسي لفترة طويلة؛ إلا أنها بدأت في السنوات الأخيرة تأخذ منحى آخر، خاصة بعد الانقلاب الذي أطاح ب"تتشافيز" لمدة 48 ساعة، وأيدته الولاياتالمتحدة. فبعد عودة" تتشافيز" إلى السلطة، أجرى "تشافيز" تعيينات واسعة في إدارة نفط فنزويلا ، ساهمت في تحويل الشركة إلى أداة تخدم سياسته. وفي مارس الحالي قال "تشافيز": إن الولاياتالمتحدة لن تحصل على نفط فنزويلا، إذا تخطت حدها، وأن فنزويلا بدأت اتخاذ التدابير الكفيلة بتحقيق ذلك، إذا اقتضت الحاجة، وأكد أن فنزويلا لديها بدائل لتصريف نفطها؛ حيث طلبت دولا كثيرة منها مزيداً من النفط. وتصدر فنزويلا 1.25 مليون برميل يومياً إلى الولاياتالمتحدة، وهي شكل 15% من الواردات الأميركية من النفط. ضغوط أميركية على إيران وفي إطار المواجهة المحتدمة بين الولاياتالمتحدةوإيران، ظهر النفط في واجهة الأحداث مرة أخرى؛ حيث ذكرت صحيفة "سانكي شيمبون" اليابانية أن الولاياتالمتحدة طلبت رسميا من اليابان تعليق خططها لتطوير حقل نفط إيراني في إطار جهود عالمية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وكانت اليابان تعتزم تطوير حقل نفط "ازاديجان الإيراني" - الذي يقدر أن به ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم - وذلك على الرغم من اعتراضات واشنطن على المشروع. وزعمت الخارجية الأميركية أن تطوير الحقل سيدر على إيران دخلا ،يدعم جهودها لإجراء أنشطة نووية ويجعل من الصعب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف موحد في التعامل معها. المملكة العربية السعودية وبالرغم من الدعوات الأميركية لدول منطقة الشرق الأوسط بانتهاج الديمقراطية، إلا أن خبراء يقولون: إن التعامل الأميركي مع الدول العربية المصدرة للنفط يبدو متناقضا، ويظهر ذلك بوضوح في تعاملها مع المملكة العربية السعودية - على سبيل المثال - حيث ينظر لها المجتمع الأميركي كأحد مصادر للإرهاب، ويرى أن حكومتها تتبع سياسة داخلية قمعية، لكن الاعتماد الأميركي على نفط المملكة واحتياطاتها الضخمة - التي ساعدت حتى وقت قريب على حفظ الاستقرار في الأسواق الدولية- ، جعل سياسة الولاياتالمتحدة حيالها تبقى حذرة، رغم توجيه بعض الانتقادات إليها بين الحين والآخر. الحرب العراقية الكويتية وكمثال واضح على الأثر الاستراتيجي للنفط على سياسة الولاياتالمتحدة وعلى تحركاتها العسكرية، يرى محللون أن حرب الخليج الثانية (الحرب العراقية الكويتية) جاءت في وقت عانت فيه شركات النفط الأميركية من شبح الإفلاس؛ بسبب تدني أسعار النفط ، حيث كان سعر البرميل )برنت( في تلك الفترة في حدود 23 دولارا، وكان الخبراء يتوقعون هبوطه إلى ما دون ذلك بكثير لولا حرب الخليج الثانية. وقامت الشركات بالضغط على الإدارة الأميركية؛ حتى يقللوا من تدفق نفط الخليج العربي بأية وسيلة، وتسربت أنباء عن مناقشات في الدوائر الأميركية لمجموعة بدائل؛ لافتعال أزمة في الخليج العربي، واستقر الأمر على الكويت. حرب كوسوفو ويرى محللون أن حرب كوسوفو هي الأخرى- لم تكن بعيدة عن تأثير النفط ؛ فقد كانت هذه الحرب مجرد خطوة أميركية على الطريق في اتجاه السيطرة على نفط القوقاز. وكان السياسي الأميركي الشهير "زيجينو بريجنسكي" قد ألف كتابا بعنوان "رقعة الشطرنج الكبرى" يدعو فيه إلى سيطرة أمريكا على الحزام الأوراسي وخصوصاً دول القوقاز الغنية بالنفط. كما هددت الولاياتالمتحدة في السبعينيات - على لسان هنري كيسنجر - باحتلال منابع النفط. بحر قزوين ويقول خبراء إن بحر قزوين يحتوي على أضخم كمية من النفط والغاز في العالم؛ حيث يقدر احتياطي النفط بنحو 100 مليار برميل من النفط الخام في جمهوريتي كازاخستان وأذربيجان وحدهما. ودخلت الولاياتالمتحدة في صراع ضد روسيا والصين من أجل السيطرة على منطقة بحر قزوين ومواردها الغنية. وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحملة الأميركية على أفغانستان فرصة سانحة ؛ لكي تجد أميركا موطأ قدم لها في تلك المنطقة. ووجهت شركات النفط العالمية - وعلى رأسها الشركات الأميركية - اهتمامها نحو استثمار عشرات المليارات من الدولارات في آسيا الوسطى، حتى إن محللين يقدرون أن الطفرة النفطية في بحر قزوين أصبحت الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة لشركات النفط. احتلال العراق وبعد انتهاء الجيش الأميركي من حربه في أفغانستان وتواجده في آسيا الوسطى، اختارت إدارة "بوش" الخيار العسكري ضد العراق لتسيطر على منابع النفط الغنية به، - حيث يعد العراق المنتج الثاني للنفط في الشرق الأوسط بعد السعودية- ، وإحكام سيطرتها على نفط الشرق الأوسط ، بعد أن أنشأت قواعد عسكرية في جميع دول الخليج بعد حرب الكويت عام 1990.