يصعب تحديد الأرقام الدقيقة لعدد الداخلين في الإسلام، فقلّة من الدول تُحصي رسميًا تغيّر الانتماء الديني، كما تبقى الدراسات المتوفرة مجزأة. ويذكّر الديموغرافيون بأن النمو القوي لعدد المسلمين في العالم يُفسَّر أساسًا بالولادات وفتوّة المجتمعات المسلمة. بين 2010 و2020، ارتفع عدد المسلمين من نحو 1.6 إلى 1.7 مليار ليقترب من ملياري نسمة، ما جعل الإسلام أسرع الأديان نموًا خلال العقد. لكن خلف هذه الاتجاهات الديموغرافية الكبرى، يبرز عامل أكثر هدوءًا يثير الاهتمام: التحوّلات الدينية الفردية. ففي أوروبا وأمريكا الشمالية، تُظهر عدة دراسات أن المتحوّلين يشكّلون أقلية عددية، لكنهم مجموعة شديدة الظهور وغالبًا ما تكون ذات التزام قوي بدينها. ولفهم هذا المسار، لا تكفي قراءة منحنيات السكان؛ بل يجب الدخول في القصص الشخصية وفهم تلك "الشرارة" التي تدفع بعضهم يومًا ما إلى قول: «لقد أصبحتُ مسلمًا». "الشرارة" الأولى: بحث عن معنى يصف كثير من المتحوّلين نقطة بداية مشتركة: إحساس عميق بعدم الرضا تجاه حياة تُرى على أنها مادية أكثر من اللازم، فارغة، أو مفككة. أزمات شخصية، فقدان، اكتئاب، نجاح مهني لا يملأ الفراغ... تختلف المسارات، لكن الإحساس واحد: «لا بد أن هناك شيئًا آخر». في هذا السياق، يظهر الإسلام باعتباره رؤية شاملة للوجود (الأصل، المعنى، الموت، العدالة، ما بعد الحياة)، وإطارًا متماسكًا تتكامل فيه المعتقدات والقيم والممارسات، وروحانية لا تُحصر في يوم أو مكان عبادة بل تُنظّم الحياة اليومية. ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ بالنسبة لكثير من المتحوّلين، يتحوّل هذا المعنى إلى تجربة حيّة: شعور بأن النص يقودهم نحو ما هو أكثر استقامة وثباتًا وانسجامًا مع قيمهم العميقة. صدمة القراءة: اللقاء مع القرآن تعود "شرارة" أخرى في شهادات كثيرة: اليوم الذي يبدأ فيه الشخص، بدافع الفضول أو بعد لقاء معيّن، قراءة القرآن بجدية، أحيانًا بالترجمة ثم بالعربية. ما يلفت انتباه الكثيرين: النبرة المباشرة الموجّهة للقارئ، تكرار موضوعات العدالة والرحمة والمسؤولية، وطريقة النص في دعوة القارئ للتفكير والتساؤل. ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ بالنسبة للبعض، تعمل هذه الآية كتحدٍّ عقلي: النصّ يدعو بنفسه إلى الفحص والتأمل. وكلما تعمّقوا فيه، ازداد شعورهم بالانسجام الداخلي للنص عبر السور والسياقات. حرية الاختيار: لا إكراه في الدين خلافًا للصور النمطية، نادرًا ما يرتبط التحول إلى الإسلام بالضغط أو الإكراه. بل يؤكد كثيرون أن قرارهم كان حرًّا بالكامل. ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ تلخّص هذه الآية رحلتهم: لا ضغط، لا إلزام، بل مسار داخلي يقودهم إلى اعتبار الإسلام الطريق الصحيح لهم في تلك المرحلة. إطار أخلاقي وانضباط يومي مطمئنان يقدّم الإسلام منظومة قيم واضحة في عالم ضبابي المعايير. الحلال والحرام يشكلان علامات عملية يومية، والصلوات الخمس تنظم الوقت وتبني إيقاع اليوم، وصيام رمضان يُعاش كمدرسة لضبط النفس. يساعد هذا الانضباط الكثيرين على التخلص من الإدمانات، واستعادة نمط حياة صحي، وخلق انسجام بين المعتقد والسلوك. في نظرهم، ليس هذا تقييدًا بل تحرّرًا منظّمًا يقود إلى الطمأنينة. الأخوّة والشعور بالانتماء للجانب الاجتماعي دور مهم. كثير من القصص تبدأ بلقاء: صديق أو زميل مسلم يترك أثرًا من خلال سلوكه، عائلة تستقبل أحدهم في رمضان، أو جماعة توفّر الاستقبال والمرافقة. يلعب شعور الانضمام إلى "عائلة كبرى" عالمية، الأمّة، دورًا كبيرًا لدى من كانوا يشعرون بالعزلة أو الانقطاع الاجتماعي. نصّ يُنظر إليه كمعجزة مستمرة يرى المسلمون أن قوة الإسلام تكمن في معجزة دائمة: القرآن. فمنذ أربعة عشر قرنًا، يُقرأ ويُحفظ ويُتلى ويُدرس دون انقطاع. ويندهش كثير من المتحوّلين من حفظ النص حرفيًا، انسجام رسالته عبر أكثر من 20 عامًا من الوحي، والطريقة التي تكتسب بها بعض الآيات معنى جديدًا مع تطور العلم والمجتمع. ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ يُنظر إلى هذه الآية على أنها وعد بأن كل عصر سيشهد علامات جديدة تؤكد صدقية الرسالة. العلم والتفكير والبحث عن حقائق جديدة يروي كثير من المتحوّلين أن التوافق بين بعض الإشارات القرآنية والمعارف العلمية الحديثة غذّى تأملهم. هذه الإشارات ليست أدلة قاطعة بالنسبة إليهم، بل تعزيز لحدسهم بأن مصدر النص ليس بشريًا. ما الذي يغيّر النظرة حقًا؟ يبرز عنصر متكرر: الفرق بين انتقاد الإسلام من الخارج واكتشافه من الداخل. كثير ممن يحملون صورة سلبية يعتمدون على الإعلام والسطحيات، بينما الذين يقرؤون القرآن ويطّلعون على السيرة ويتواصلون مع المسلمين يشهدون غالبًا على تغيّر عميق. ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ معجزة في متناول الجميع رغم أن عدد التحولات إلى الإسلام محدود عالميًا، فإن الدينامية التي تقف وراءه واحدة: أفراد يبحثون عن معنى ويجدون في القرآن والجماعة ونمط الحياة الإسلامي انسجامًا يلامس حياتهم. من ينتقدون الإسلام غالبًا يستندون إلى ما يُقال عنه، بينما الذين يقرؤونه ويدرسونه ويعيشون قرب المسلمين يشهدون على تغيّر حقيقي في رؤيتهم، ويقرر بعضهم خوض خطوة التحوّل. قوة الإسلام كما يرى المؤمنون تكمن في أن معجزته ليست مخفية ولا محصورة في نخبة، بل ظاهرة أمام الإنسان منذ قرون، في نصّ حافظ انسجامه وما يزال يجيب عن أسئلة كل عصر. في عالم يبحث عن بوصلة، قد يكون هذا المزيج من الروحانية والعقلانية والاستمرارية هو ما يفسر اختيار رجال ونساء اليوم أن يقولوا: «لقد وجدتُ طريقي في الإسلام.» هذا النص يفتتح سلسلة مقالات تُنشر كل يوم جمعة، تُسلّط الضوء على مسارات شخصيات مشهورة اعتنقت الإسلام، وتستعرض الأسباب التي غذّت رحلتهم الروحية — وهي أسباب كثيرًا ما تبدأ باكتشاف شبيه بهذا. تعليقات