كان في البداية رجلاً غاضبًا، مكسورًا، ثائرًا على الظلم. ثم أصبح إنسانًا شامخًا، كريمًا، مستنيرًا بالإيمان. تُعدّ قصة مالكوم إكس، الذي أصبح لاحقًا "الحاج مالك الشباز"، واحدة من أقوى وأعمق قصص اعتناق الإسلام في القرن العشرين. فهي تبيّن بوضوح ما يمكن أن تصنعه الهداية عندما تُستقبل بعقل متدبّر، وقلب صادق، وإرادة شجاعة. نقطة التحوّل: من الشارع إلى النور وُلد مالكوم ليتل سنة 1925 في أمريكا التي كانت آنذاك تنهشها العنصرية والفصل العرقي. نشأ في بيئة يسودها الخوف والكراهية. قُتل والده، الناشط في حركة "الوحدة الإفريقية"، في ظروف غامضة، وأُودعت والدته مصحًّا نفسيًا. فكان الشارع والمخدرات والسجن مصيره. لكن داخل زنزانته بدأت الثورة الحقيقية. هناك، تعرّف على كتابات الفلاسفة والمفكرين السود، واطّلع على تعاليم "أمة الإسلام"، وهي حركة أمريكية من أصول إفريقية تزعم انتماءها إلى الإسلام. وجد فيها الكرامة والانضباط ومعنى جديدًا للحياة. "لأوّل مرة، يُقال لي إن الله يشبهني، ويقول لي إنني كريم، قوي، وقادر." لكن هذه المرحلة لم تكن سوى بداية لما هو أعظم: اكتشافه للإسلام الحقيقي، العالمي. التحوّل الحقيقي: مكة… الوحدة التي لم يكن يتخيّلها في سنة 1964، أدى مالكوم إكس مناسك الحج. وهناك، حدث الزلزال الداخلي. الرجل الذي كان يعتقد أن العالم منقسم إلى أبيض وأسود، رأى بعينيه بشرًا من كل الألوان والثقافات، يجتمعون على قبلة واحدة وصلوات موحّدة. "رأيت رجالًا بعيون زرقاء ينادونني ب(أخي)… رأيت وحدة لم أكن أظنها ممكنة." في ذلك الموقف، أدرك أن العنصرية لا تتوافق مع الإسلام، وأن الرسالة الإسلامية تخاطب الإنسان أينما كان، وبغض النظر عن لونه أو أصله. القرآن: نبع الحقيقة الهادئة والعقلانية ما أبهره في الإسلام القرآني هو العقل، والعدل، والوضوح. لم يُطلب منه أن يؤمن بشكل أعمى، بل طُلِب منه أن يتفكّر، ويُعمل عقله، ويقرأ بعين ناقدة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (آل عمران: 190) ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24) إيمان خالد عبر الزمن من أكثر ما أثّر في مالكوم، كما أثّر في الآلاف من المفكرين والباحثين حول العالم، هو انسجام القرآن واستمراريته عبر أربعة عشر قرنًا. ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت: 53) لقد سبقت آيات القرآن بكثير اكتشافات علمية حديثة مثل علم الأجنة، وتكوين الجبال، واتساع الكون. وهو ما أذهل كثيرًا من العلماء في مختلف التخصصات. وقفة تأمل... قصة مالكوم إكس ليست حكاية فرد فقط، بل شهادة حيّة على تحوّل جذري صنعته الحقيقة. لم تكن هدايته انفعالية أو عابرة، بل كانت نتيجة بحث عقلاني، وتأمل نقدي، وتجربة إنسانية عميقة. كثير من منتقدي الإسلام اليوم لم يقرؤوه أصلًا، بل بنوا تصوّرهم عنه من الإعلام أو التقاليد المشوّهة. لكن كل من يمنح نفسه فرصة صادقة لقراءة القرآن، بعين منفتحة وعقل متفكّر، غالبًا ما تتبدّل رؤيته. وهنا تكمن معجزة الإسلام الفريدة: أنه كتاب مفتوح، حيّ، خالد، يتحدى الزمن والعلوم والأفكار، ويبقى واضحًا وعميقًا ومقنعًا. هذا المقال يندرج ضمن سلسلة أسبوعية تُنشر كل يوم جمعة، تسلط الضوء على مسارات مشاهير اعتنقوا الإسلام، وتستعرض الأسباب العقلية والروحية التي دفعتهم إلى ذلك. تعليقات