بقلم دليلة الريحاني متفقد مركزي للملكية العقارية ببن عروس منذ القديم تشبث الإنسان بملكية العقار واعتبره أثمن ما يمكن أن يملكه من مال، فالعقار سند للاستثمار الصناعي والسكني والسياحي، وهو أيضا العنصر الأساسي للثروة الفلاحية. وإدراكا لأهمية العقار في الحياة الاقتصادية، سعت جلّ التشريعات القديمة والحديثة لحماية العقاررات. وسنّت أنظمة تشريعية تحميها وتنظم ملكيتها وتحدد مالكيها. لقد أصدر المشرّع التونسي مجلة الحقوق العينية بتاريخ 12 فيفري 1965 التي نظمت كل المسائل المتعلقة بالحقوق العينية التسجيل العقاري متبنية نظام الإشهار العيني في جل مبادئه، غير أن نظام التسجيل العقاري التونسي بعد عدة عقود من التطبيق اتضحت به الكثير من الثغرات التي أدت إلى جمود العقارات، وذلك بعدم تطابق الحالة الاستحقاقية لها مع وضعها القانوني بالسجل العقاري مما استوجب تدخل المشرع بإصلاحات متتابعة أولها تنقيح 1992 الذي تناول مسألة الرسوم المجمدة واستنبط لها حلولا جديدة للتحرير والترسيم مُعيدا تبني مبدأ المفعول المنشئ للترسيم في نظام الإشهار العيني. ومحاولة منه لاستكمال تكريس كامل مبادئ الإشهار العيني، استعاد المشرع التونسي تبني سند الملكية باعتباره مرتبط بإرساء مبدأ المفعول المنشئ للترسيم. وتجدر الإشارة إلى ان فكرة سند الملكية ليست بفكرة حديثة إذ أنه يشبه في نظامه كّراس العقار "titre bleu" الذي تم إلغاؤه سنة 1965 لكنه يختلف عنه لأنه ليس نسخة كاملة من الرسم بل وثيقة تسلم لكل مالك مرسم ولو على الشياع تتضمن بيانا مفصلا لحقوقه. إن سند الملكية ليس بمجرد وثيقة إدارية كما أن تسليمه ليس بمجرد خدمة جديدة أضافها المشرع التونسي إلى جملة الخدمات التي تسديها إدارة الملكية العقارية للمتعاملين مع السجل العقاري فحسب، بل إن فكرة إنشاء سند الملكية تدعم حقوق المالك المرسم ذلك أن المقصد الأساسي الذي انبنى عليه السند هو جعله وثيقة ينفرد بها المالك دون غيره على خلاف ما هو معمول به بالنسبة إلى شهائد الملكية التي تسلم لطالبها وإن لم يكن مالكا مرسما بالرسم العقاري. لقد نص الفصل 364 جديد من مجلة الحقوق العينية على أن سند الملكية لا يسلم إلا للمالك كما أوضح الفصل 213 من أمر 23 فيفري 1998 أنه "يسلم لكل مالك بناء على طلبه سند مطابق للبيانات الثابتة بالرسم العقاري…". ويستخلص من هذين الفصلين أن سند الملكية لا يسلّم إلا بعنوان حق الملكية دون غيره من الحقوق العينية الأخرى والوارد ذكرها بالفصل 12 من مجلة الحقوق العينية، ومرد ذلك هو أن فكرة تأسيس السند تنهض على اعتبار ماسك هذا السند هو مالك العقار الذي له حق التعامل عليه مما يدعو للاطمئنان إلى إبرام كل العمليات العقارية مع هذا المالك. كما أن تسليم السند مؤسس على أكثر من مجرّد التملك الطاهر وإنما على التملك الحقيقي الذي لا يمكن أن يكون عرضه للانقراض أو الزوال. ويترتب عن استئثار المالك وحده بسند الملكية إمكانية تسليم نفس المالك عدة سندات بعنوان حق ملكية مرسّمة باسمه برسوم عقارية مختلفة كذلك في تعدد السندات برسم عقاري واحد في صورة تعدد المالكين بذلك الرسم. وتجدر الإشارة في هذا السياق أنه يسلم السند بعنوان كل حقوق الملكية الراجعة لمالك معيّن برسم عقاري إذ أن المالك الذي انجرّت له الملكية في مناسبة أولى بالشراء ثم في مناسبة ثانية بمقتضى هبة وفي مناسبة ثالثة بالإرث، فإنه يتم إدراج كل هذه الحقوق على التوالي وفقا لمراجع ترسيمها بنفس السند. ويستخلص مما سبق ذكره أن سند الملكية مثلما تدلّ على ذلك تسميته، لا يمنح إلا للمالك الحقيقي للعقار ووفق إجراءات خاصة ضبطها المشرع. ومن الثابت أنه إذا تم التأكد من إدارة الملكية العقارية أن سند الملكية سبق تسليمه فإنها ترفض قبول مطلب الترسيم مع دعوة طالب الخدمة إلى إتمام التنصيصات بالكتب المراد ترسيمه وتأييده بوثيقة السند عند إعادة تقديم مطلب الترسيم. وبالإضافة إلى ما سبق بيانه، فإنه قد يقع تلقي مطلب السند على إثر ترسيم أحكام قضائية أو صكوك إدارية. وقد نص الفصل 401 من مجلة الحقوق العينية على ضرورة مباشرة عملية الترسيم الواردة بمقتضى أحكام قضائية أو صكوك إدارية دون تأييدها، وهنا تتولى إدارة الملكية العقارية إدراجه ضمن يومية مطالب الترسيم لمباشرة عملية الإلغاء وذلك بعد استدعاء المالك الماسك للسند القديم بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ. وفي جميع الحالات لا يسلم سند الملكية إلا للمالك مباشرة وبعد التثبت من هويته وتذكيره بالأحكام المتعلقة بسند الملكية، مما يقصي إمكانية تسليمه عن طريق البريد أو لمن ليست له صفة. ويعود هذا التشدد والدقة في إجراءات تسليم سند الملكية إلى أهمية الآثار المترتبة عن تسليم سند الملية. لم يكن من السهل على المشرع التونسي منذ سنة 1992 إعادة تبني العمل بسند الملكية بعد أن ألغى العمل به إثر إلغائه للمجلة العقارية الصادرة سنة 1885، بل إن ذلك تطلب منه إدخال جملة من التنقيحات المتتالية في فترة زمنية وجيزة ( نعتها البعض بأنها لا تتوفر فيها وسائل التربص والتأني). ولعل هدف المشرع من إحداث هذه الوثيقة المتميزة هو تحسين ظروف تحرير الصكوك المتعلقة بالعقارات المسجلة والحد من التصرفات غير المشروعة، وكذلك تيسير حصر التركات عند الوفاة. غير أن المشرع التونسي لم يأخذ بعين الاعتبار واقع السجل العقاري التونسي المتميز أساسا بالجمود مما من شأنه أن يجعل مهمة المؤسسات المكلفة بتفعيل سند الملكية صعبة خاصة أمام سكوت المشرع حول العديد من المسائل العملية المتعلقة بإجراءات تسليم السند وإلغائه وضبط محتواه بكل دقة، وهو ما يفسح المجال للتأويلات والاجتهادات، كما من شأنه أن يثير العديد من الصعوبات التطبيقية التي قد يصعب تجاوزها.