بعد موجة الاحتقان التي دامت أشهر تصاعدت الأزمة الداخلية في لبنان لتتحوّل إلى مواجهة مباشرة بين أنصار السلطة والموالين للمعارضة في شوارع بيروت بعد أن اتخذت الحكومة جملة من القرارات تتعلق بشبكة اتصالات في محيط المطار اعتبرتها المعارضة تصعيدا يستهدفها بالأساس... ممّا تسبّب في توترات واحتكاكات أدت إلى أعمال عنف في الشوارع هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية في الربع الأخير من القرن الماضي. وبين دعوة المعارضة الحكومة إلى إلغاء قراراتها والدخول في محادثات بهدف إنهاء الأزمة الأمنية ومن ثمّ الأزمة السياسية المستفحلة ورفض الحكومة التراجع عن ذلك تأزم الموقف الأمني.. وعلا صوت الأسلحة بدل الحوار ممّا قد يمهّد إلى صراع دموي الخاسر الأكبر فيه هو الشعب اللبناني ذاته. لقد تعمّق العداء بين الموالين للسلطة والمعارضة منذ اغتيال رفيق الحريري وتلت تلك العملية النكراء التي اهتزّ لها العالم بأسره موجة من الاغتيالات استهدفت عديد الرّموز السياسيّة والإعلامية والحزبية... وتعمّق الجرح اللبناني بعد الفراغ الدستوري لمنصب رئيس الجمهورية منذ أشهر رغم المبادرات العربية لانتخاب رئيس الجمهورية لملء هذا الفراغ من خلال تقريب وجهات نظر الفرقاء. إنّ المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله والتي وقفت بندية في وجه قوات الاحتلال الإسرائيلي في صيف 2006 ودافعت بشجاعة وبسالة عن لبنان الوطن والشعب وساهمت إلى حدّ كبير في تعرية هذا الجيش «الذي لا يقهر» تجد نفسها اليوم في مواجهة خصوم محليين من خلال اشتباكات مسلحة خلفت العديد من الضحايا نتيجة عداء مستحكم زاده التجاذب الإقليمي والدولي عمقا وتأزّما. وفي ظلّ هذا الواقع الجديد تحرّكت بعض الأطراف لتطويق هذه الأزمة الخطيرة بدعوة الموالاة والمعارضة إلى التّراجع أملا في استئناف الحوار.. ولكن دون جدوى. ومن الاحتمالات المطروحة على بساط الدرس إقدام الحكومة على إلغاء قراراتها الأخيرة المتعلّقة بتفكيك شبكة اتصالات نصبتها المعارضة في أكثر من منطقة في بيروت مقابل إقدام حزب الله على رفع الحواجز التي تسدّ العديد من الطرقات.. وتشلّ الحركة، كبادرة حسن نيّة. وقد تتقلّص تبعا لذلك حدّة الاشتباكات المسلحة في الشوارع ممّا قد يساهم في عودة الوضع الى طبيعته ويسمح باستئناف الجهود لحلّ الصّراع السياسي الجوهري بشأن كيفية تقاسم السلطة في حكومة جديدة وبشأن قانون الانتخابات البرلمانية. إنّ الشّلل الذي أصبحت عليه الحكومة وشغور منصب رئيس الجمهورية والعداء المستحكم بين السلطة والمعارضة يستدعي قدرا كبيرا من الشجاعة من جميع الأطراف الفاعلة في الساحة اللبنانية لتغليب مصلحة لبنان العليا والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام إسرائيل وبعض الدول الغربية التي تراهن على استفحال الأزمة لحسم المواجهة عسكريا حسب ما تمليه مصالحها وخططها في المنطقة ولو على حساب الشعب اللبناني ووحدته.