مر شهر على اندلاع المعارك في مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان حيث يواصل الجيش محاصرة ميليشيات ما يسمى ب"فتح الإسلام" ورغم حصيلة القتلى المتزايدة بين الجانبين والوساطات لا يبدو هناك أفق لتطبيع الأوضاع في المخيم الذي ما زال يتواجد فيه حوالي ألفي فلسطيني يعتبرون دروعا بشرية . إن طول مدة المواجهة بين الجانبين يكشف قوة المجموعة المسلحة التي تسببت في هجرة جانب كبير من سكان المخيم، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول الغاية من التواجد العسكري لتلك الميليشيات - في مخيم يفترض احترام سيادة البلد المستضيف - في سياق تطورات داخلية وإقليمية. ولا يخفى على أحد أن الزج بالفلسطينيين مرة أخرى في الصراعات الداخلية والإقليمية على الأراضي اللبنانية لا يخدم بالمرة مصلحة القضية الفلسطينية خصوصا وهي تواجه أعسر فترة في تاريخها في قطاع غزة والضفة الغربية. فقد أثبتت التجربة أن الفلسطينيين قد يكونون مرة أخرى وقودا لحرب أهلية في لبنان أو حتى ذريعة لانخرام أمني خدمة لبعض الاستراتيجيات التي ترى في إثارة الفتن عنصرا رئيسيا كفيلا بخلق ظروف مناسبة لها. ويبدو أنه أصبح من السهل توريط بعض الأطراف في بلد مثل لبنان لكي تظهر فيه بؤر توتر تضاف إلى سياق سياسي لا يخلو من بوادر الانفجار على خلفية استقطابات إقليمية لا يمكنها إلا أن تلحق الضرر بالتعايش بين الطوائف والحساسيات السياسية، وبالتالي تكسر التوازن في صلب المجتمع اللبناني القائم على أساس التوافق منذ استقلال البلاد. وإذا كان هناك تساؤل يظل مطروحا بخصوص ما يحدث في شمال لبنان فهو :ما مصلحة الشعب الفلسطيني من خلال تنظيم ينشط خارج أراضيه ويتصادم مع الشرعية اللبنانية؟ بالتأكيد إن الفلسطينيين في الداخل أو في لبنان لا يرون فائدة في كل ذلك وبالتالي فإن السقوط في فخ استراتيجيات ومخططات تلغي مصلحة القضية الفلسطينية يعتبر أشد خطورة مما تخطط له إسرائيل سواء في لبنان أو للفلسطينيين أنفسهم. وبعد ما حصل في قطاع غزة من معارك وانقلاب على الشرعية يخشى أن تكون إساءة بعض الفلسطينيين لقضيتهم أحد عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية التي يهمها المماطلة وربح الوقت ولعل الفكرة التي يريد أعداء القضية الفلسطينية ترسيخها لدى الرأي العام العالمي مفادها أن الفلسطينيين أينما وجدوا يشكلون مصدرا للتوتر وخطرا على وجود إسرائيل وبالتالي يتحقق صدق المقولة الإسرائيلية الرافضة لإقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل .