ما يحدث في شمال لبنان وتحديدا في مخيم نهر البارد تتعين قراءته لبنانيا وإقليميا، فالوضع الحالي يمثل في ظاهره الجيش اللبناني في مواجهة تنظيم يطلق على نفسه اسم "فتح الإسلام" وهو ما يعني أن رمز الشرعية اللبنانية يجد نفسه في أعسر امتحان- منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان التي لم يكن طرفا فيها - للقيام بدوره الدفاعي وفرض نفسه على المشهد اللبناني الذي مازالت قوات تنظيم "حزب الله" تبرز فيه كقوة عسكرية. ولكن تساؤلات عديدة تطرح نفسها حول الظهور المفاجئ لهذا التنظيم الذي لا يخفي زعيمه تعاطفه مع "القاعدة" حيث أن الساحة اللبنانية ما زالت تشهد احتقانا بين المعارضة والحكومة وفي وقت تثار فيه مسألة المحكمة الدولية في سياق قضية اغتيال رفيق الحريري وأيضا حيث يتسم المشهد الفلسطيني بتوتر جراء الخلافات والاشتباكات بين "حماس" و"فتح" وبتواصل الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية. ولبنانيا أصبحت الأضواء مسلطة على لبنان الذي أصبح هو الآخر موطئ قدم لتنظيم "القاعدة" بما يذكر بالوضع العراقي حيث قد تتفاعل الأمور وتختلط الأوراق لتندلع الحرب الأهلية المؤجلة منذ فترة طويلة، فها هي النداءات الدولية تتعدد لحماية الديموقراطية اللبنانية وها هي نفس الأصوات توجه الاتهامات المباشرة والخفية لقوى إقليمية.. وها هي الشرارة تندلع في مخيم فلسطيني بما يذكر بشرارة الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 في عين الرمانة بتعلة الوجود الفلسطيني الذي "أثر على التركيبة السكانية اللبنانية". الواضح أن هناك خطة لجر اللبنانيين إلى حرب أهلية لقلب موازين القوى في بلد منقسم بين معارضة وحكومة وتتواجد فيه قوتان عسكريتان الجيش وقوات "حزب الله"، ورغم الاستقطابات الخارجية لم يتمكن أي طرف من حسم الوضع ولذلك يبدو أن إقحام ما يسمى ب"فتح الإسلام" مع ما يوحيه الاسم من دلالات عديدة في المشهد اللبناني كفيل بإعادة خلط الأوراق لعل أهمها دخول لبنان "الحرب على الإرهاب" من بوابة واسعة بما يعنيه ذلك من تنسيق مباشر مع الإدارة الأمريكية دون إغفال التأثيرات المحلية والإقليمية المباشرة. أما إقليميا فإن مجرد اندلاع معارك نهر البارد تعني وجود أطراف يهمها توسع رقعة التوتر إلى لبنان. فإضافة إلى الأراضي الفلسطينية والعراق فإن الزج بلبنان في أتون حرب أهلية كفيل بجعل الأنظار تصرف عن عمليات التقتيل المنظمة في العراق ويعطي لإسرائيل أكثر من ذريعة لرفض عودة اللاجئين بل ورفض التفاوض مع الجانب الفلسطيني على الأقل في هذه المرحلة التي تحاول فيها الإدارة الأمريكية مقارعة المعارضة الديموقراطية ومحاولة أولمرت تنظيم صفوفه للحيلولة دون إجراء انتخابات سابقة لأوانها من شأنها أن تعيد الليكود وناتنياهو إلى الحكم بأكثر شعبية. إن ما يحدث حاليا في شمال لبنان يمثل فرصا لأطراف عديدة ليكون مقدمة لسيناريوهات سواء كانت عراقية أو فصلا آخر من الحرب الأهلية على أمل الاستفادة من الانعكاسات المباشرة والجانبية.. وعلى أية حال يتعين على اللبنانيين الحذر لأنهم أول من سيدفع ثمن الحرب الأهلية.