لا شك أن تراجع الحكومة اللبنانية عن قراريها الأخيرين باعفاء مدير امن مطار بيروت من منصبه واعتبار شبكة اتصالات «حزب الله» غير قانونية قد عززا من فرص نجاح الوفد العربي للوساطة في ايجاد ارضية مناسبة لانطلاق حوار بناء بين الفرقاء اللبنانيين ونزع فتيل حرب اهلية كان يمكن ان تأتي على الأخضر واليابس فيتكرر التاريخ في شكل مأساوي يعيد الى الأذهان شبح الحرب الأهلية الاخيرة. لقد اثبتت التجربة خلال الازمة الاخيرة انه لا بديل عن التوافق والجلوس الى طاولة الحوار بين الفرقاء اللبنانيين حيث لا يمكن لأية حلول اخرى مثل استخدام القوة او الاستقواء بالاجنبي ان يحل اية مشكلة كما ان لغة التخويف والتحريض الطائفي والمذهبي لا يمكن هي الاخرى ان تنزع فتيل الحرب بل تزيده اشتعالا كما تزيد الخلافات في المواقف عمقا. فالحل لكل الازمات التي يتخبط فيها لبنان لا يمكن ان يكون الا لبنانيا بمعزل عن التدخلات والاملاءات الخارجية التي لا تراعي إلا مصالح دولها ولا مصالح اللبنانيين وهو ما ينبغي ان يتفطن له كل لبناني وينزع عنه رداء التعصب والمبالغة كي لا يكون لبنان ساحة تصفية حسابات اقليمية ودولية على حساب الشعب اللبناني الذي ارقته كثيرا مثل هذه الازمات والاحداث. ولان الحل لا يمكن ان يكون الا لبنانيا بعيدا عن كل اجندة خارجية ولعبة توازنات اقليمية يتوجب على كل الفرقاء المسارعة الى انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا توافقيا للجمهورية باعتباره يحظى باجماع كافة الاطياف اللبنانية على اختلاف تلويناتهم وتوجهاتهم السياسية والايديولوجية لتكون أول خطوة على درب المصالحة الوطنية ولم شمل كل الفرقاء بعيدا عن لغة الشد والجذب وتفويت الفرصة تلو الاخرى والتلويح بالقوة والتهديد حتى يتجنب الشعب اللبناني ويلات الحرب الاهلية التي اكتوى بها في السابق واراقت الكثير من الدماء وخلفت دمارا ومآسي عديدة. ولعل الشيء الايجابي الذي افرزته الاحداث الاخيرة ان الجيش اللبناني لم يتورط في هذه الازمة بدعم هذا الطرف او ذاك بل ظل متمسكا بالحياد وهو ما حال دون استفحالها وتطورها واتساع رقعتها، بل وكان سببا في قبول الفرقاء اللبنانيين بجهود الوساطة العربية التي أتت اكلها واثمرت اتفاقا حول استئناف الحوار بينهم من أجل التوصل الى تسوية وانهاء الخلافات التي حالت الى حد الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية بعيدا عن لغة السلاح والفوضى. ان المطلوب اليوم من كل الفرقاء اللبنانيين هو استمرار التحلي بالجدية والتعقل واستيعاب الدروس من السنوات التي مضت والازمات التي لم تخلف الا الدمار والجراح حتى يصل الجميع الى بر الامان ويبتعد نهائيا شبح الحرب الاهلية التي لا تزيد البلد الا ضعفا وتخلفا فيكون لقمة سائغة للاعداء المتربصين به وخاصة اسرائيل.