الأحداث الأخيرة التي جدت في لبنان على خلفية اتهام الحكومة ل«حزب الله» بانتهاك سيادة الدولة في قضية ما يُعرف ب«كاميرات المراقبة» في مطار بيروت الدولي وتزامنها مع الإضراب الذي شل العاصمة اللبنانية والذي دعا إليه الاتحاد العام للعمال احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسات الاقتصادية الحكومية يظهر مرة أخرى عمق الأزمة والخلافات في البلاد ويعد مؤشّرا خطيرا يعكس تباين المصالح والتجاذبات الإقليمية. لا شكّ أنّ تداخل العوامل الداخلية والإقليميّة في لبنان كرس مزيدا من الخلافات والتباعد في وجهات النظر وهو ما عكسته أزمة فراغ كرسي الرئاسة منذ انتهاء ولاية أميل لحود ولكن يبقى حجم الخلافات أيضا بين اللبنانيين أنفسهم ورفضهم الحوار وتقديم التنازلات عاملا مهمّا هو الآخر في استمرار الأزمة وتعطيل الحياة السياسية لتتواصل الأجواء المشحونة بالتوتّر والاحتقان ويبقى الخاسر الوحيد هو لبنان وشعبه الذي اكتوى بنار الحرب الأهلية والاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة. إنّ ما يجري في لبنان اليوم من احتقان وتواصل الاتهامات بين الموالاة والمعارضة يعكس في الواقع رؤية سياسية أحادية ومطالب حزبية وطائفية ضيقة لا تراعي مصالح البلاد وحجم التحديات والاستحقاقات التي تواجهها بدءا بالتوافق حول انتخاب رئيس للبلاد لسد الفراغ السياسي والقطع مع شبح الحرب الأهلية التي تخيم صورها على كلّ شارع في لبنان. إن اللبنانيين مدعوون اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى إلى استيعاب مجمل الخلافات موضوعيا وتجنّب المبالغة والتطرّف والتهويل لأن لبنان ليس لبنان الموالاة أو المعارضة بل هو لكل اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية والطائفية إلى جانب الاقتناع بأنّ الجلوس على طاولة الحوار البناء بعيدا عن كلّ ضغوط دولية أو إقليمية أو أيّة شروط مسبقة هو الحل الأنسب لحل الخلافات وإطفاء نار الفتنة واستبعاد شبح أيّة حرب تأتي على الأخضر واليابس. لا شكّ أنّ لبنان قد خبر طويلا الحرب الأهلية وما خلفته من دمار ولذا فإن جميع قياداته مدعوة إلى مزيد من التعقل والتبصّر وتغليب المصلحة العليا للبلاد على النظرة الحزبية الضيقة التي لا يمكن أن تحل المشكل بقدر ما تزيده تعقيدا وتوتّرا.. وفي النهاية لن يخدم سوى مصالح القوى الخارجية.