تكثفت اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية عبر وساطة مصرية هذه الأيام لبلورة اقتراح هدنة بين الطرفين لمدة ستة اشهر يتم بموجبه سحب قوات الاحتلال لآلياته العسكرية من محيط غزة ورفع الحصار على القطاع وفتح المعابر الحدودية في وجه الفلسطينيين ووقف متبادل لاطلاق النّار. ويبدو أنّ سلطات الاحتلال مصرّة على ربط مسألة الجندي الإسرائيلي الذي تحتجزه المقاومة الفلسطينية منذ سنة 2006 بمدى التقدّم لتحقيق اتفاق بشأن الهدنة المقترحة حيث تطالب باطلاق سراحه رافضة الدعوات الفلسطينية المتكررة لاطلاق مئات الفلسطينيين الأسرى في سجون اسرائيل. وفي ظلّ المزايدات السياسية والأمنية للقيادات الاسرائيلية وسياسة التسويف والمماطلة التي تكرّسها على أرض الواقع كلّما تعلّْق الأمر بمفاوضات للتهدئة دعا الرئيس الفلسطيني مجددا إلى «سياسة أمريكية تحترم الشرعية الدولية وتضغط على إسرائيل» مؤكدا خلال لقاء جمعه بالأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في العاصمة الأردنية أن المفاوضات لم تحقق أي تقدّم بشأن قضايا القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأسرى. وهذه القناعة السياسية التي ما فتىء يؤكدها أبو مازن تستمد جذورها من السياسة الأمريكية المتبعة في المنطقة والتي برهنت على عدم احترامها للشرعية الدولية مما اعتبرتها قوات الاحتلال ضوءا أخضر لمواصلة عملياتها الاجرامية في حق الفلسطينيين. إنّ الأطماع التوسعية لحكومة أولمرت مثلما هو الشأن للحكومات المتعاقبة قبلها تتعارض كليا مع دعوات الأسرة الدولية المتكررة لفتح مفاوضات سلام جادّة ومسؤولة بين طرفي النزاع... وهذا الإستخفاف بالقرارات الأممية والاتفاقيات الثنائية هو قرار سياسي إسرائيلي بمباركة أمريكية خصوصا بعد أن برهن البيت الأبيض على مساندته المطلقة لإسرائيل ومناصرتها في كلّ ما تقترفه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق فإنّ خطاب الرئيس الأمريكي في الكنيست خلال زيارته منذ أيام للمنطقة يمثل تحوّلا جديدا للسياسة الأمريكية التي فقدت مصداقيتها في السابق بانحيازها المفضوح لاسرائيل لتتبنى بشكل لافت سياسة التصعيد ضد كل شكل من أشكال المقاومة سواء في فلسطين او في بعض دول الجوار عبر التحريض وتكثيف المساعدات العسكرية لقوات الاحتلال والتحالف الاستخباراتي الوثيق معها ومساندتها بدون قيد أو شرط في ما تقترفه من اغتيالات وتهجير وحصار اقتصادي جائر وما تمارسه من ابتزاز سياسي ومساومة. وأمام هذا التعنّت الاسرائيلي والمساندة الأمريكية اللامشروطة وتداعيات ذلك على المسار التفاوضي الذي أصابه الشلل يبدو أن لبعض الدول الأوروبية وخصوصا فرنسا موقفا مغايرا لسياسة البيت الأبيض حيث خرقت الحظر الغربي وأجرت اتصالات مع «حماس» ربما إدراكا منها ولو بشكل متأخر أنه «من السياسات الخاطئة عزل «حماس» ومقاطعتها».