بين التعبير عن القلق العميق والدّعوة إلى ضبط النفس والإدانة توالت ردود الفعل والمواقف عربيا ودوليا تجاه المجازر المتلاحقة لقوات الإحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة. وفيما الجانب الفلسطيني يحصي شهداءه وجرحاه ويعاين يوميا الدّمار الذي لحق بالمباني والبنية الأساسية يأتي التأكيد الإسرائيلي على أنّ هذه الحرب ستستمر لوقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على جنوب إسرائيل. وأمام تصعيد العدوان عسكريا والحصار الاقتصادي المضروب منذ أشهر على سكّان القطاع ارتفعت أصوات جميع قيادات الأحزاب السياسية الفلسطينية مطالبة بوضع حدّ لكل أشكال التفاوض بين السلطة الفلسطينية وحكومة أولمرت وذلك لمنع استغلال اسرائيل استمرار هذه المفاوضات كغطاء للعدوان. هذه الإنتهاكات الصارخة التي تستهدف الشعب الفلسطيني والتي تصاعدت بشكل خطير مباشرة بعد زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة منذ أسبوع تعكس حالة الضّعف والوهن التي هي عليها اليوم الحكومة الإسرائيلية برئاسة أولمرت خصوصا مع بداية «تآكل» الإئتلاف الحاكم نتيجة تناقض المواقف السياسية حول سير المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ونتائجها المحتملة... وهو ما دعا إلى الهروب إلى الأمام وارتكاب هذه المجازر حفاظا على هذا الإئتلاف الهش، وفي ظل هذا الوضع الداخلي المتأزّم أكّد أولمرت مجدّدا أنّ المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين ستتواصل مشيرا إلى أنّه لا بديل عنها. من جانبه أكّد رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات أنّ الإعتداءات والإستيطان... والمفاوضات خطان لا يلتقيان أبدا مبديا تشاؤمه إزاء فرص نجاح المفاوضات في التوصّل إلى اتفاق ومعتبرا في الوقت ذاته أنّ «سنة 2008 لن تكون لا سنة اتفاق ولا سنة دولة وإنّما ستكون سنة مثل بقية السنوات الماضية... سنة استمرار الجرائم والعنف» في إشارة إلى المبادرات الأمريكية الأخيرة وخصوصا ما أعلنه الرئيس الأمريكي نفسه من عزم على تحقيق نتائج ملموسة حول الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية خلال هذا العام. إنّ الممارسات الإسرائيلية وما تستعد له من تصعيد عسكري يضاف إلى المجازر المقترفة ضدّ الفلسطينيين يبرهن مرّة أخرى على عدم جدّية هذه الحكومة إزاء عملية السّلام بل يؤكّد رغبتها في تخريب هذه العملية في المهد. ومع الإقرار بأنّ الإعتداءات السّافرة المتكرّرة في القطاع هي من جوهر السياسة الإسرائيلية فإنّ غياب الوفاق والمصالحة الوطنية الشاملة بين الشعب الفلسطيني ذاته غذّى هذا التّصعيد الخطير. ومن الضروريات المطروحة اليوم السعي إلى تجاوز الخلافات القائمة بين «فتح» و«حماس» وتطويق أسباب أزمة الثّقة بينهما لتوفير شروط المواجهة الضرورية لهذا العدوان.