يثبت تاريخ العلاقات الدّوليّة أنّ الدّول تتعاون وتتّحد من خلال دوافع يراها المفكر السياسي Pierre Renouvin أنّها دوافع قويّة وعميقة تقوم بالأساس على العوامل الجغرافيّة والظّروف السكانية والقوى الاقتصاديّة والجوانب المعنويّة والثقافيّة, وتسعى بذلك الشّعوب بمختلف نخبها السياسيّة إلى هذه الاتحادات لخدمة المصالح المشتركة. وفي هذا الإطارالنّظري والفكري يمكن أن نتناول المشروع الإستراتيجي الهام القائم على المشروع الذي يسعى إلى تحقيقه الرئيس الفرنسي ساركوزي منذ انتخابه والمتمثّل في الإتحاد المتوسّطي الذي يضمّ مبدئيّا الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط. هذه المبادرة الفرنسيّة والتي طوّرها الرّئيس الفرنسي لتصبح حسب عبارته «الاتحاد من أجل المتوسّط» ليضمّ دولا أوروبيّة غير متوسّطيّة وإن كان التّفريق العملي بين العبارتين أمرا صعبا، وبالرّغم من كونها مبادرة سياسيّة فرنسّية بحتة وقد تكون حلاّ من الحلول التي تخرج فرنسا من أزماتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتتالية، إلاّ انّها تدفع إلى طرح عدة نقاط استفهام تتعلّق بمدى ملاءمة الظّروف الرّاهنة لتجسيد هذه الفكرة وبلورتها على السّاحة السّياسيّةوالاقتصاديّة المتوسطيّة أو بالأحرى الأورومتوسّطيّة، والبحث في فعاليّتها حاضرا ومستقبلا، خاصة وأنّه في صورة تكوين هذا الاتّحاد فإنّه سيضمّ دولا مغاربيّة هي تونس، المغرب، الجزائر وليبيا، وهذه دول لها ثقلها السياسي والإقتصادي على المستوايين المغاربي والمتوسّطي. فهل يمكن إيجاد معادلة واقعيّة تضمن تكوين اتّحاد من أجل المتوسّظ في حين أنّ تفعيل المغرب العربي بقي حبرا على ورق منذ تأسيسه ثي قمّة مراكش المغربيّة يوم 17 فيفري1989؟ لقد ترتّب على تأسيس اتّحاد المغرب العربي ابرام حوالي 34 معاهدة تتعلّق بمجالات مختلفة خاصة الاقتصاد والمجتمع ومعظمها لم ينفّذ .فالوحدة الاقتصاديّة لم تتشكّل بوضوح في البلدان المغاربيّة على خلاف الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، «فحجم المبادلات التجاريّة بين البلدان المغاربيّة لايتجاوز نسبة5 % من مبادلاتها الخارجيّة في حين أنّه على سبيل المقاربة تبلغ نسبة المبادلات التجاريّة بين دول الاتّحاد الأوروبي 70%من مبادلاتها الخارجيّة...» 1) ) وهذا ما يبرز محدوديّة التّعاون المغاربي بالرّغم من وجود دوافع اقتصاديّة وثقافيّة واجتماعيّة تجعل من هذا التعاون الحل الأمثل خاصة وأن الوضعيّة المغاربّية الحاليّة تكلّف الدّول الأعضاء خسائر اقتصاديّة واجتماعيّة فادحة. فغياب تفعيل الاتحاد المغاربي من النّاحية الاقتصاديّة بالأساس يؤدّي إلى مشاكل متنوّعة للشعوب المغاربيّة قد تنعكس سلبا على الاتحاد المتوسّطي، فيصبح هذا الأخير عديم الفائدة خاصة للدول المغاربيّة. وعلى الأرجح أنّه لو تمّ تطبيق فكرة الاتحاد المتوسّطي بعقلانيّة فإنّه سيفتح أبواب الفرج للدول المتوسّطية بما في ذلك دول المغرب العربي. هذه العقلانية تقوم على التعامل المتساوي بين الدّول المغاربيّة والمتوسّطية الأخرى بدون تبعيّة الطرف الضعيف في هذه المنطقة للطرف القوي مع السّعي الحقيقي لتكريس العدالة الاجتماعية والاقتصاديّة على المستوى المحلي والمتوسّطي، في إطار مراعاة التفاوت في النّمو الاقتصادي لكلّ الدول المتوسّطية. وقد يساهم في انجاح هذا الاتّحادالمتوسّطي محاولات تفعيل الاتحاد المغاربي مثل تأسيس سوقا مغاربيّا حرا يقوم على رؤوس أموال مغاربيّة تستفيد من الشعوب المغاربيّة التي يصل عددها إلى ثمانين مليونا تشكّل في الأن ذاته حجر الزّاوية الثاني للاتّحاد المتوسّطي على المستوى الاقتصادي بعد السوق الأوروبيّ الحرّ. وعبر هذا الاتّجاه ستتعامل الدّول الأوروبيّة مع إقليم افتصادي مغاربي قائم الذات يغذّي الاتحاد المتوسّطي حتى تتحقق المصالح المشتركة لكلّ الدول المتوسّطيّة والمغاربيّة والأوروبيّة لأنّ الواقع والمستقبل يِؤكّدان على أنّ اللّبنة الأساسيّة لإنجاح المشروع المتوسّطي تتمثّل في تفعيل المشروع المغاربي. 1) الطيّب اليوسفي, مجلّة دراسات دوليّة، عدد105