تونس/الصباح على امتداد خمس ساعات كاملة، تدارس عدد من الشخصيات السياسية والفكرية والديبلوماسية، الى جانب مسؤولين عن الجامعة العربية واتحاد المغرب العربي، الوضع الراهن للمسار المغاربي، بعد نحو عشرين عاما على تأسيس اتحاد المغرب العربي (مراكش 1989).. وناقش حوالي عشرة شخصيات مختلفة، في الندوة السنوية السادسة لجامعة الدول العربية (مركز تونس)، تحت عنوان: «المغرب العربي في مفترق الشراكات»، القضايا الاقتصادية المتعلقة بالاندماج والتكامل الاقتصادي، ودور الاتحاد المغاربي لرجال الاعمال في الفضاء الاقتصادي المغاربي، ووظيفة اتحاد المصارف المغاربية الى جانب افاق منطقة التبادل الحر المغاربي وفرص جلب الاستثمارات الخارجية للمنطقة. لم تخل هذه الندوة التي احتضنها المقر الجديد للجامعة العربية في ضفاف البحيرة من الطابع النقدي الى حد التشاؤم بخصوص مسار الاتحاد المغاربي، الذي بدا للبعض معطلا ودون مستوى تطلعات النخب والشعوب. وصفة سلبية.. ومؤشرات.. وقال السيد حاتم بن سالم، كاتب الدولة المكلف بالشؤون الاوروبية خلال جلسة افتتاح الندوة، ان «عدة ظروف موضوعية حالت دون تحقيق هذا المطمح الشعبي، فتعثرت مسيرة الاتحاد المغاربي، وبقي المشروع يراوح مكانه».. وقدم الدكتور بن سالم، وصفة سلبية لاتحاد المغرب العربي من الناحية الاقتصادية، مشيرا الى ان المبادلات التجارية بين الدول الاعضاء، ظلت ضعيفة، اذ لا تتجاوز نسبتها 4% من جملة المبادلات مع الخارج، المقدرة ب137 مليار دولار. وادى هذا الواقع الى عزوف رأس المال الأجنبي بصورة عامة عن الاستثمار بقوة في بلدان المغرب العربي، على الرغم من ان سوق هذه البلدان تتسع لنحو 100 مليون نسمة في افق العام 2010، وارتفاع الناتج المحلي الاجمالي الى حوالي 241 مليار دولار في نفس العام، وتوفر موارد طبيعية استراتيجية في المنطقة. وكشف المسؤول الحكومي التونسي عن وجود كلفة باهظة «للامغرب» تصل الى نحو 2% من الناتج الوطني الاجمالي لكل دولة عضو في الاتحاد المغاربي في وقت تزداد الضغوطات على الصعد المحلية، سيما في مجال توفير فرص عمل والقضاء على البطالة في اوساط الشباب. لكن السيد حاتم بن سالم، لم يخف تفاؤله بالفرص القادمة، من خلال جملة من المؤشرات بينها المساعي المبذولة حاليا بين الحكومات المغاربية للارساء بارساء منطقة مغاربية للتبادل الحر، وتحريك مشروعات عملية (الطريق السيارة المغاربية شبكة السكك الحديدية مشروع الكابل المغاربي للألياف البصرية القمر المغاربي للاتصالات..) الى جانب الانطلاق الفعلي للمصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية في وقت قريب وبعث الاتحاد المغاربي لاصحاب الاعمال في فيفري الماضي. وبعد أن دعا الى تطوير الشراكة المغاربية الاوروبية متعددة الجوانب والابعاد، توقف المحاضر عند دعوة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي فور فوزه برئاسة الجمهورية الفرنسية، باقامة اتحاد متوسطي، واعتبر ان هذه المبادرة تستدعي تنسيق المواقف بين الدول المتوسطية بصورة عامة والمغاربية بصفة خاصة، لبلورة تصور واضح في هذا الاتجاه. فرضيات اساسية.. من جهته، لاحظ السفير والوزير السابق، السيد صلاح الدين بن مبارك، ما وصفه ب«المسار التجميعي» الذي شرعت فيه المنطقة المغاربية في الفترة الاخيرة، من خلال انشاء اتحاد مغاربي لرجال الاعمال، وبعث اتحاد للمصارف في المغرب العربي.. لكنه اشار الى ان تعامل المنطقة مع الفضاءات الاقليمية المجاورة في مقدمتها الاتحاد الأوروبي بوصفه الشريك الاقتصادي الاول لدول المغرب العربي لم يساهم في تسريع الاندماج ولم يكن عاملا اساسيا في تفعيل الشراكة المغاربية المغاربية. وطرح الوزير/السفير التونسي جملة من الفرضيات المطروحة خلال الفترة المقبلة لتحقيق الاندماج المغاربي، بينها تكثيف التعاون الثنائي بين الدول المغاربية في جميع المجالات، وتوقع حصول تأثير لتطبيق اتفاقيات الشراكة مع اوروبا، خصوصا بالنسبة للاتفاقيات التجارية (شهادة المنشأ) والاستثمار في البحث العلمي وغيرها. واعتبر صلاح الدين بن مبارك، ان من بين هذه الفرضيات كذلك، تنشيط دور الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وتشجيع القطاع الخاص على وجه التحديد. ودعا وزير التجارة الأسبق، والسفير لدى الاتحاد الاوروبي سابقا، الى ضرورة ادخال اصلاحات على القوانين المنظمة للاتحاد المغاربي، سيما في مجال اتخاذ القرارات لتوفير ممهدات لديناميكية ممكنة في مستوى تفعيل القرارات والاجراءات الاقتصادية المشتركة. وشدد بن مبارك على ضرورة ابعاد المنطقة عن اسباب التوتر وتجنب الخلافات الظرفية، في اشارة الى مشكل الصحراء الغربية، معربا عن اعتقاده بضرورة «بناء الاتحاد المغاربي، وفق مرحلية ومقاربة واقعية ومتدرجة». انسداد سياسي.. في نفس السياق سجل السيد عبد القادر ولد محمد، كاتب الدولة الموريتاني السابق لشؤون المغرب العربي، «وجود شلل في هياكل الاتحاد المغاربي بسبب الخلافات السياسية»، على حد قوله، ملاحظا وجود حالة من الجمود وانطباع تشاؤمي عام يهيمن على مختلف المعنيين بالاتحاد المغاربي، بل ان عمليات سبر الآراء التي تتم صلب التجمعات المغاربية، عكست وجود شعور بالاحباط يسود غالبية شباب المنطقة بوجه خاص. لكن المحاضر، اوضح ان الخطاب الرسمي المغاربي، يشجع على الاندماج ويحث عليه، على الرغم من الانسداد السياسي المهيمن بين الدول المغاربية مشيرا في هذا الاطار الى ان العوامل الاقتصادية والاجتماعية من شأنها المساهمة في خلق «ديناميكية الاندماج والتقارب» على حد تعبيره. في المقابل لم يتردد المسؤول الموريتاني السابق، في وصف القول بان الاقتصاديات المغاربية، تعاني من ضعف بنيوي، ولذلك اعتبر السيد عبد القادر ولد محمد، ان الاندماج المغاربي مطالب بالتكيف مع التحولات الدولية،. وتحقيق انجازات اقتصادية ملموسة بينها انشاء المصرف المغاربي والخطوط الجوية المغاربية والقناة المغاربية وشبكة الاتصالات الاقليمية. وقال كاتب الدولة المغاربي السابق ان بعض الاحداث الدولية مثل الارهاب والعجز الطاقي، يفرضان اليوم اندماجا اقتصاديا مغاربيا بأسرع ما يمكن منتقدا في هذا السياق، اقتصار الشراكة المغاربية الاوروبية، على الجوانب الامنية والثقافية وملف الهجرة، دون ان تنفذ الى القضايا والملفات الاقتصادية، وهو ما جعل هذه الشراكة، محدودة التأثير مغاربيا. وكانت الجلسة الافتتاحية للندوة شهدت تدخل الامين العام المساعد للجامعة، (مركز تونس) السيد الشاذلي النفاتي، الذي حرص على وضع اطار لمناقشات الندوة، فيما تولى عميد السلك الديبلوماسي في تونس، سعادة السفير علي بن أحمد العيسائي الاشارة الى ان «المغرب العربي يتطلب اليوم وقفة متبصرة تسمح بتجاوز الصعوبات التي تحول دون استكمال بنائه»، وهو المعنى الذي انكبت عليه مداخلات اخرى عديدة، ستكون موضوع الحلقة الثانية من هذه الورقة.