سواء كان قرار اوباما بشان حظر نشر صور السجناء الذين تعرضوا للتعذيب على أيدي جنود امريكيين نهائيا او قابلا للتراجع تلبية لمختلف النداءات التي اطلقها ضحايا تلك الممارسات في سجون غوانتانامو وابوغريب طلبا للعدالة والقصاص او تلك التي اطلقتها منظمات وهيئات حقوقية انتقدت قرار الرئيس الامريكي فان الامر قد لا يغير القليل او الكثير بل لعل في قرار الحظر ما يؤشر الى فظاعة تلك الصور وخرقها لابسط قواعد حقوق الانسان واتفاقيات جنيف الرابعة لحقوق الاسرى في حالات الحرب كما في حالات السلم بل لعل في تلك الصور التي نشرت مع انتشار فضيحة ابوغريب لاول مرة والتي لا يزال وقعها قويا في الذاكرة الى جانب ما كشفته التحقيقات مؤخرا بشان قضية اغتصاب ثم قتل الضحية العراقية عبير وافراد عائلتها وغيرها ايضا من الاحداث والمآسي التي حلت بالعراق منذ الاجتياح ما يمكن ان يدفع الادارة الامريكية الى محاولة استباق الاحداث وتفادي أية تداعيات او ردود فعل محتملة او محاولات انتقام ردا على صور لا تخلو باي حال من الاحوال من الاستفزاز والاهانة... ومن هنا يكون الرئيس الامريكي وهو القائد الاعلى للجيش قد ارتاى اقل الضررين وتجنيب ادارته وقواته مزيد الانتقادات والاحراجات التي ورثها عن سياسات سلفه والتي يبدو انها سترافقه على الاقل حتى نهاية ولايته الاولى وربما ولايته الثانية ان كان له في ذلك نصيب... ولعل المثير ان تراجع اوباما لم يتوقف عند حد التعتيم على تلك الصور وبالتالي مصادرة وثيقة ادانة ثابتة بشان انتهاكات للجنود الامريكيين والتي لم تكن باي حال من الاحوال تصرفات معزولة او ناجمة عن اخطاء بل انها كانت تتم تنفيذا لاوامر القيادات العليا بحثا عن ادانة العراق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولكن هذا التراجع امتد الى الاعلان عن اعادة العمل بالمحاكم العسكرية مع اللجوء الى عملية تجميل تقضي بمنع بعض الممارسات وتحسين الضمانات القانونية للمتهمين ولكن دون ان يتخلص اوباما من بدلة الرئيس بوش التي يبدو انه بات اكثر التصاقا بها بما يثير اكثر من نقطة استفهام حول مدى حجم التراجع الذي قد يستمر فيه الرئيس اوباما بعد الان على خطى سلفه بعد مصادقة الكونغرس على تخصيص اكثر من تسعين مليار دولار للحرب في العراق وافغانستان وهل ان هذا التراجع في المواقف جاء نتيجة خيار مدروس أو رضوخا لضغوطات المتشددين في الكونغرس والبنتاغون الذين يعودون لرفع ورقة الامن القومي الامريكي لتبرير العودة الى سياسة الادارة السابقة في عدد من القضايا المصيرية في الحرب المعلنة على الارهاب من العراق الى افغانستان... لقد نجح اوباما في اقتلاع ورقة العبور الى البيت الابيض بعد ان رفع شعار "التغيير" الذي جعله يخترق قلوب وعقول الامريكيين الذين اثقلت كاهلهم الازمة الاقتصادية وحروب الرئيس بوش وما الحقته بصورة ومصداقية امريكا في العالم ولكن يبدو ان المترشح الشاب لم يكن يدرك في خضم حملته الانتخابية ان صناعة القرار السياسي لا تقف عند ابواب صاحب البيت الابيض ولا تخضع لنواياه الانسانية التي بدات تتصدع في اول جولة لها ضمن معركة لم تكشف بعد عن بقية اطوارها وما يمكن ان تحمله في طياتها من تنازلات جديدة او تراجع عن خيارات اوباما المعلنة في خطاب التدشين الذي اعتقد العالم انه سيتنفس معه الصعداء بعد ثماني سنوات عجاف... ربما يكون قرار منع نشر الصور المسيئة للمعتقلين ايجابيا في مرحلة اولى لادارة الرئيس اوباما ولكن الارجح ان تلك الصور او على الاقل جزءا منها سيجد طريقه للكشف بشكل ما وسيقع تسريبه في وقت لاحق للاعلام تماما كما حدث في السابق وسيكون حماية الامن القومي مرة اخرى سببا وراء ذلك... وفي انتظار ان يتم ذلك لعل في مشاهد القصف "الخاطئ" المتكرر للمدنيين في باكستانوافغانستان ما يغني عن بقية الصور المحظورة التي سينشا على وقعها جيل باكمله لم يعرف من المبادئ والقوانين الامريكية الانسانية غير تلك التي تشرع نشر الحرية والديموقراطية على وقع القنابل العنقودية والصواريخ...