تطبيقا لسياسة المناورة والإبتزاز لوّحت الحكومة الإسرائيلية بشنّ عدوان قاس على قطاع غزّة بدعوى إجبار المقاومة على وقف إطلاق الصّواريخ في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية... وبالتوازي مع التّصعيد العسكري والجرائم المرتكبة ضدّ الأبرياء في القطاع أبدت هذه الحكومة استعدادها لقبول الجهود المصرية المبذولة حاليا في سبيل تحقيق تهدئة حيث توجّه أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى القاهرة للتباحث في هذا الشأن. لقد قرّر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر المنعقد منذ يومين الإبقاء على خيار التّهدئة مشروطا بوقف إطلاق الصّواريخ وإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المحتجز لدى المقاومة... كما قرّر مواصلة الاستعدادات لحملة عسكرية واسعة النّطاق في القطاع... «لكسر» المقاومة حسب تعبيره. وهذه الإزدواجية بين ما يجري على الأرض من تقتيل وتشريد واعتقالات... والتّلويح بقبول اتفاق تهدئة مشروط تشكل أسس السياسة الإسرائيلية المبنية على الإبتزاز وعدم الجدّية. لقد أخضعت قوات الاحتلال أكثر من مليون ونصف مواطن فلسطيني في القطاع إلى سياسة مساومة رخيصة بإحكام سيطرتها على المعابر وغلق كلّ المنافذ المؤدّية إلى الخارج وطوّقت السكان بحصار اقتصادي جائر في إقرار بأنّ هذا التّصرّف العدواني ورقة ضغط للمساومة مع السلطة الفلسطينية ودفعها لمزيد التنازل عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، معتبرة مصير جندي محتجز أهم من مصير آلاف الأسر المحاصرة وهي تعاني من المجاعة وتفشي الأمراض ونقص الأدوية وسلب الحرّيات وانتهاك الحرمات. إنّ الهدنة المقترحة إسرائيليا هي التزام المقاومة الفلسطينية بالكف عن توجيه صواريخ لضرب المستوطنات، والدخول في متاهة مفاوضات لا طائل من ورائها مقابل السماح بإدخال كميات من المساعدات الغذائية إلى القطاع ثم لاحقا السماح بإدخال البضائع التجارية مع إمكانية فتح معبر رفح المغلق منذ أشهر... وكلّ هذا مشروط كذلك بمصير الجندي الإسرائيلي المحتجز. وبين التّصعيد والتّهدئة المشروطة تأتي زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية موفّى الأسبوع للمنطقة للإلتقاء بالمسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين للتباحث بشأن مفاوضات السّلام وآفاقها. ولئن اعتبر الطرف الفلسطيني ما يجري من تصعيد في القطاع نتيجة إجراءات الإغلاق الصارمة والإعتداءات العسكرية مأساة في حق الشعب فإنّ إسرائيل مدعومة بالولايات المتحدةالأمريكية ترى في ذلك «دفاعا عن النّفس». وفي ظلّ هذا التقاطع للمواقف فإنّ إمكانية شنّ قوات الإحتلال عملية عسكرية واسعة النطاق في غزّة قد تؤجّل إلى حين لتجنّب إثارة غضب الجانب المصري الذي يسعى للتهدئة وعدم الإضرار بزيارة رايس المنتظرة.