خصص يوم الجمعة الماضي بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء لدراسة آلة العود. لكن الدراسة لم تشمل هذه المرة مسألة العزف وإنما تركز الحديث على صناعة هذه الآلة الموسيقية. وكان هذا اليوم مناسبة للتعرف على مختلف خصوصيات هذا الفن. الحرفيون المختصون في صناعة الآلات الموسيقية الذين تمت دعوتهم بالمناسبة اكتفوا في بداية تدخلهم بتقديم ما يرونه يكفي من معلومات حول صناعتهم لكن سرعان ما بدأت المعلومات تصبح غزيرة والأفكار تتعدد والأسرار تنكشف شيئا فشيئا. ورأينا العود وقد وقع تفريكه أمامنا بعد أن كان هيكلا : هذه الأضلع وذلك الوجه وذلك الظهر وتلك اللوحات وتلك القمرات وذلك الذراع وتلك العصافير أو المفاتيح إلخ من الأجزاء والمصطلحات الخاصة بالموسيقيين والحرفيين التي تطلق على كل جزء أو جزيئ من هذه الآلة. السبب في هذا الفيض من المعلومات التي انسابت كامل اليوم الدراسي يعود لدخول الحرفيين وذلك على ما يبدو بدون سابق تخطيط في لعبة المنافسة والتباري فيما بينهم. كل يريد أن يقدم في حماس واضح أفضل ما عنده حتى يبدو أكثر تمكنا من غيره وأكثرا تحكما في فن صناعة العود. الأمر الذي مكن مركز النجمة الزهراء من تجميع أكثر ما يمكن من أفكار تهم حاضر هذه الصناعة ومستقبلها خاصة وأن هذا اليوم الدراسي كان حسب مدير المركز الموسيقي مراد الصقلي الذي أدار جلستي العمل الصباحية والمسائية يوما توثيقيا قبل كل شيء. بين التجديد والتقليد وقد دعي إلى هذا اللقاء إلى جانب كل من الحرفيين محمد الهادي بلصفر الذي ينتمي لعائلة معروفة في تونس بصناعة الآلات الموسيقية وهو شخصيا يمارس هذه الصنعة منذ 45 سنة ويشرف حاليا على ورشة الآلات الموسيقية بمركز النجمة الزهراء ورضا الجندوبي وهو حرفي من جهة الوطن القبلي ومنزل تميم تحديدا وماهر الشريف حرفي من العاصمة (باب سويقة) ومختار المثاني وهو حرفي لا يتردد حسب وصف مدير مركز النجمة الزهراء لدى تقديمه للرجل، لا يتردد في اتباع رؤية يصفها بالمجددة... كما حضر اللقاء وشارك في المناقشات الحرفي العراقي المقيم بتونس والذي يعرفه الموسيقيون التونسيون جيدا ذلك أنه سليل عائلة مشهورة في صناعة العود ويعرفون بالخصوص والده محمد فاضل الذي كان صاحب مدرسة في صناعة العود بالعراق. وهو بالطبع يواصل صناعة أجداده من خلال ورشته بالعاصمة تونس. الأمر يتعلق بمحمد يعرب فاضل. دعا مركز النجمة الزهراء كذلك أحد صناع العود من بين المشاهير في تركيا وهو الحرفي فاروق تورنز .و قد شارك أيضا في هذا اليوم الدراسي الموسيقي والجامعي محمود قطاط وهو من أوفياء النجمة الزهراء ومن مساندي العديد من التظاهرات التي تنظمها. تم تقسيم اليوم الدراسي إلى جلستين. خصصت الجلسة الصباحية لتقديم فكرة عن صناعة العود. كل يقدم تجربته الخاصة وأفكاره حول هذه الصناعة والإشكاليات التي تطرحها. في حين خصصت الجلسة المسائية للنقاش العام. تم التوقف خلال الجلسة الأولى على المقارنة بين صناعة العود التونسي والعود الشرقي سواء تعلق الأمر بالشكل أو بتقنيات الصناعة أو بالمواد المستعملة في الصنع والزخرف والزينة. ومن خلال الإستماع لعديد التدخلات على لسان الحرفيين يمكن القول أن صناعة العود هي صناعة دقيقة وتفاصيل هذه الصناعة كثيرة. أهم الإشكاليات المطروحة على هذه الصناعة تتمثل بالخصوص في المادة الأساسية وهي الخشب. فنوعية الخشب وطريقة الإشتغال على هذه المادة الأولية تحدد نوعية الآلة سواء كانت جيدة أو غير جيدة. أما المجالات المفتوحة للإبتكار والإجتهاد والتي يكاد يتفق حولها مجمل الحرفيين عموما فهي تهم بالخصوص مسألة تحسين الصوت وكيفية إزالة المجهود غير الضروري للعازف وأيضا تسهيل عملية تعديل العود وإزالة المشاكل التي يصادفها العازف في هذا الخصوص. عود وقيثارة في آلة واحدة عبارة عن سيارة مرسيدس وعربة خشبية! لكن هناك من الحرفيين من لا تتوقف التجارب عنده عند الأمور المذكورة. مختار المثني مثلا والذي شارك مؤخرا في معرض للآلات في فرنكفورت وأكد بنفسه تجاوب الزوار هناك مع تجاربه غير تماما من خلال النماذج التي قدمها في شريط فيديو، غير تماما من شكل العود وجعل الآلة آلات. عود وقيثارة مثلا في نفس الآلة. وقد أثارت هذه التجارب عموما رفض أغلب الحضور. الحرفي التركي مثلا الذي قدم شريط فيديو لخص فيه أهم الأنشطة في ورشته الخاصة بصناعة العود والذي لفت الإنتباه من خلال إدخاله لبعض الآلات التي تمكن من تطوير الإنتاج وخاصة الترفيع فيه مع الحفاظ على جمالية الشكل على الطريقة التقليدية. رفض الحرفي التركي مسألة إدخال قطع من المعادن على آلة العود وشبه المسألة بالخلط بين سيارة مرسيدس وعربة خشبية. من جهته نبه الأستاذ قطاط إلى خطورة التقليد السهل مشيرا إلى أننا نأخذ الآلة كما هي دون مراعاة خصوصيات اللغة الموسيقية ودعا بالمناسبة إلى ضرورة أن تتحول ورشات صناعة الآلة في تونس إلى مخبر نجد فيه الصانع المحترف والمختص في علم الصوت والعازف الماهر لاختبار الآلة. وطالب في نفس السياق بالإستفادة من التاريخ الذي تركته العائلات العربية في مختلف البلدان العربية في مجال صنع الآلة. وفي هذا الإطار لم يظهر الحرفي العراقي حماسا لتجربة زميله التركي على عكس التونسيين الذين أعجب أغلبهم بتجربة إدخال بعض الأدوات المساعدة لليد في صنع آلة العود. محمد يعرب فاضل الذي يشارك الطلبة في عملية تصنيع العود العراقي بورشته يرى أنه يمارس صناعة دقيقة ويلتزم بأحجام متساوية للعود بدون حاجة لمساعدة الآلة. استغل الحرفيون الفرصة خاصة بالمساء للمقابلة بين أفكارهم وتصوراتهم حول صنع العود وبدت وجهات النظر متباينة خاصة في ما يخص تغيير شكل آلة العود من خلال إضافة في الوزن أو تغيير في الوظيفة العزفية وكذلك حول مسألة التعديل وتحولت بعض المداخلات إلى عرض في الكيمياء والفيزياء واستشهد كل طرف باسم عازف شهير بتونس ليدلل على نجاح آلاته إلخ... لكن مقابل ذلك كان هناك شبه اجماع على عدد من الأمور من بينها ضرورة مواصلة الحوار بين الحرفيين والتواصل فيما بينهم خاصة وأن عددهم قليل وأن الطلب على الإنتاج كبير وفق المتدخل التركي الذي أكد على أن مختلف معارفه موضوعة على ذمة من يرغب في الإطلاع عليها خاصة وأن الأدوات والآلات موضوع النقاش خلال اليوم الدراسي يقع تصنيعها بورشته. تم الإتفاق كذلك على ضرورة عدم غلق الباب إزاء البحث والإجتهاد لتطوير هذه الصناعة. وأكد الحرفيون التونسيون بالخصوص على ضرورة أن يكون صنع الآلة مرفوقا بمعطيات علمية وقد تساءل البعض لماذا لا تكون لنا في تونس مدارس لصناعة الآلات الموسيقية. اشكالية العرض والطلب وأسعار الآلات الموسيقية تم ذكرها عرضا.