أخضع أحد صناع الآلات الموسيقية في بلادنا آلة العود لعدد من التجارب وعرضها خلال اليوم الذي خصصه مركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء لهذه الآلة. كان ذلك يوم الجمعة الماضي وقد حضر اليوم الدراسي مجموعة من الحرفيين المختصين في صناعة الآلات الموسيقية من العاصمة وبعض مناطق الجمهورية مع دعوة ضيف تركي مختص في صناعة العود وممثل عن أحد المدارس العراقية في صناعة العود. ولا يمكن أن تستمع للسيد مختار المثني وهو صاحب التجارب المذكورة دون أن يلفت انتباهك من خلال أمرين اثنين : أولا الإقدام على تجارب تخص آلة العود من نتائجها الحتمية تغيير جذري لشكل هذه الآلة الموسيقية ولوظيفتها وثانيا الإصرار على الإقناع بوجهة نظره من خلال التشبث بأخذ الكلمة في كل مرة وانتزاعها إن لزم الأمر رغبة منه في التدليل بالحجة والمقارعة والجدال على جدوى التجريب والبحث الذي يرى أن لا شيء يحول دونه. .. وقد عرض الحرفي نماذج من تجاربه وكان من أبرزها تلك الآلة التي يطلق عليها آلة العود وكانت في حقيقة الأمر آلتين. فقد جمع بين العود والقيثارة في آلة واحدة كما أنه قدم مجموعة من التجارب تمكن نفس الآلة من إصدار الأصوات المختلفة التي من المفروض أن تصدرها آلات أخرى من خلال توظيف التكنولوجيا وخاصة من بينها ما تتيحه من امكانية التسجيل والحفظ والخزن داخل الآلة الموسيقية في حد ذاتها. . بين البحث والأخلاق الفلسفة كلها من وراء ذلك حسب ما قاله صاحب هذه التجارب تيسير عملية التعلم بالنسبة للصغار وفتح مجالات أوسع بالنسبة للكبار قبل أن ينسى مسألة الدفاع عن البحث والتجريب والسعي إلى التطوير. وحسب ما شاهدنا من ردود أفعال خلال اليوم الدراسي المذكور حول آلة العود فإن أغلب الحضور لم يؤيدوا الفكرة وأظهروا كثيرا من الإحتراز إزاءها. وكان صاحب هذه التجارب في حقيقة الأمر وكأنه قد وضعهم أما اختبار صعب. فإما أن تؤيد هذا الإختراع من منطلق انتصارك للبحث والتطوير المتواصل أو أن ترفضه وتبدو من المحافظين الذين لا يقرون بجدوى البحث والتحديث. لكن الآراء كانت أغلبها تصب في خانة الرفض لهذه التجارب أو لنقل لم تكن مقتنعة بنتيجة هذه التجارب دون أن تجعل النقاش يمس مجالات أخرى خارج وظيفة العود وصناعته وعلاقة العازف بهذه الآلة. بقي أن هذا " المشروع التحديثي" إن صح التعبير والذي يتبناه صاحبه ويدافع عنه بحماس شديد يثير عددا من الإشكاليات الأخرى التي لها علاقة بالجانب الأخلاقي في عملية البحث والتجريب ومن أبرزها أين تقف حرية الباحث... إن هذه الإشكالية ليست ببعيدة عن تذكيرنا بما يثيره البحث العلمي في عدة مجالات من بينها مجال الطب والبيولوجيا إلخ من اشكاليات. إلى حد الآن لا شيء يحول دون دخول الباحثين في مراحل أخرى متقدمة مثلا في مجال عملية الإستنساخ البشري سوى الدين والأخلاق. والآلة الموسيقية من منظورنا ولو كان في الأمر شيء من المبالغة هي شبيهة بالبشر. تملك روحا تميزها عن بقية الآلات الأخرى فإن حرمتها من تلك الروح فإنك قد لا تضمن النتيجة تماما. نعرف جيدا أن لا شيء بالمنطق يمنع الباحث من التجريب واقتحام مجالات تبدو لنا مستحيلة ومغلقة تماما. لكننا مازلنا نرى أن الجانب الأخلاقي في مجال البحث العلمي لا بد وأن يواصل دوره. الأخلاق وإن كانت لا تملك حجة القانون فإنها في المقابل تمنح شرعية أخلاقية تجعل الشيء مقبولا في عيون الناس أو أنها تنفي عنه هذه الشرعية فيقابل بالرفض. فلا شيء من حيث القانون يحول دون تحويل آلة العود مثلا إلى شيء آخر. لكن أخلاقيا من حق هؤلاء الذين يعتبرون آلة العود جزء من هويتهم وأحد عناصر ثقافتهم التي تميزهم عن الآخر أن يطالبوا باحترام هذه الآلة وأن يرفضوا إخضاعها لعملية تغيير تشوه شكلها وتغير وظيفتها. قد لا يرفضون مثلا أن يقوم الواحد بأخذ عناصر من هذه الآلة وتوظيفها في اختراع جديد. لكن لابد لهذا الإختراع الجديد أن يحمل اسما آخر. فآلة العود لها شخصيتها ولها مكانتها في التخت الموسيقي العربي والشرقي واخضاع هذه الآلة إلى تجارب من شأنها أن تمسخ هذه الشخصية فهذا أمر نخاله لا يروق للموسيقيين كثيرا وكذلك لمن يعتبر كما سبق وقلنا أن هذه الآلة الموسيقية جزءا من الهوية ومن الثقافة. وهي على ما يبدو وفي صورة تواصل صناعة الآلات الموسيقية في بلداننا بدون قوانين مضبوطة وبدون الإلتزام بظوابط علمية دقيقة فإن ما بقي من الآلات التي نستطيع ان نقول أنها تعبر عن خصوصية حضارتنا مهددة بالإنقراض.