× التّاريخ: الثّلاثاء 26 سبتمبر 2017 .. × التّوقيت: فجرا.. ×المشهد: وزير الصحّة الجديد السيّد سليم شاكر يؤدّي زيارات فجئيّة لعدد من المستشفيات العموميّة بتونس العاصمة حيث عاين طبيعة الخدمات المقدّمة في أقسامها الاستعجاليّة خاصّة.. على غرار مستشفى المنجي سليم بالمرسى ومستشفى خيرالدّين بضاحية الكرم ومستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة.. وذلك قبل أن يتحوّل من الغد وفي نفس الاطار الى مستشفى محمود الماطري بأريانة.. هي "الحرب" اذن أو على الأقلّ "الانتفاضة" وزاريّا على واقع مزر وبائس ومتدهور على جميع المستويات لا تزال ترزح تحته منذ سنوات عديدة المؤسّسات الصحيّة العموميّة ببلادنا.. "حرب" غايتها التّدارك على ما يبدو والنّهوض ما أمكن بهذا القطاع العمومي الحيوي الّذي استهدفته على مدى السّنوات القليلة الماضية والعبارة للكاتبة العامّة للنّقابة العامّة للأطبّاء الاستشفائيّين الجامعيّين الدّكتورة حبيبة الميزوني "عمليّات تخريب ممنهج". فهل سينجح وزير الصحّة الجديد السيّد سليم شاكر فيما فشل فيه سابقوه من الوزراء الّذين تداولوا بعد الثّورة على هذه الوزارة وبخاصّة منهم الثّنائي سعيد العايدي وسميرة مرعي أم أنّ "عقاره" (سليم شاكر) سوف لن ينفع وستظلّ "حالة" البؤس والفساد والفوضى وسوء التّصرّف على ما هي عليه داخل المستشفيات العموميّة خاصّة وضمن "مشهد" القطاع الصحّي عامّة قبل محاولة الإجابة عن هذا السّؤال دعونا نقف ولو بايجاز على بعض مواطن الخلل والضّعف والقصور في المنظومة الصحيّة العموميّة كما يشخّصها ويحدّدها "أهل الذّكر" أي الأطبّاء والإداريون أنفسهم العاملون في المؤسّسات الصحيّة العموميّة "وقائع" غريبة.. وصيحات فزع واستغاثة النّاظر في عدد من "الوقائع" و"الرّسائل" و"التّصريحات" و"ردود الأفعال" الّتي برزت على السّاحة الوطنيّة على امتداد الأشهر وتناقلتها وسائل الاعلام الوطنيّة والصّادرة في مناسبات مختلفة عن هياكل واطارات طبيّة واداريّة عاملة بالقطاع سيقف على حقيقة جوهريّة مفادها أنّ مشاكل القطاع الصحّي العمومي انّما تتلخّص في "معضلتين" اثنتين أساسيّتين.. × المعضلة الأولى عنوانها النّقص الفادح في الاعتمادات الماليّة المرصودة للمستشفيات العموميّة وكذلك النّقص في بعض التّجهيزات الطبيّة الأساسيّة وفي الاطار الطبّي وشبه الطبّي وفي الأدوية.. فضلا عن تردّي الخدمات وتردّي البنية التّحتيّة لغالبيّة المؤسّسات الطبيّة.. ×والمعضلة الثّانية تتمثّل في ممارسات الفساد وسوء التّصرّف و"التّطرّف" في استعمال الحقّ في النّشاط النّقابي الّتي يأتيها بعض "الأطراف" والمسؤولين الاداريّين والنّقابيّين داخل هذه المؤسّسات الصحيّة العموميّة.. عن "المعضلة" الأولى (النّقص في الاعتمادات الماليّة وفي التّجهيزات الطبيّة وفي الاطار الطبّي وشبه الطبّي وغيرها..) يقول مثلا الأستاذ هشام قريسة رئيس قسم الجراحة العامّة بمستشفى محمود الماطري بأريانة في تصريح صحفي على هامش الزّيارة الفجئيّة الّتي أدّاها منذ يومين وزير الصحّة لهذا المستشفى أنّ قسم الجراحة بمستشفى محمود الماطري هو اليوم "في مرحلة استنفاد لمدّخراته من الموادّ الأوّليّة الطبيّة اللاّزمة للتّدخّل الجراحي.." وذلك قبل أن يضيف محذّرا "ولا أستبعد توقّفه عن العمل على مستوى القيام بالعمليّات الجراحيّة اذا لم يتمّ التّدخّل لفائدته في غضون أسبوعين لتوفير مستلزماته من الموادّ الطبيّة الأساسيّة" ولقائل أن يقول هنا ان كانت هذه حال مؤسّسة صحيّة عموميّة كبرى تقع بقلب ولاية أريانة مثل مستشفى محمود الماطري.. فماذا عسى تكون "الحال" و"الحالة" في مستشفيات جهويّة أخرى أو في مستوصفات عموميّة في المناطق النّائية؟؟ أمّا المعضلة الثّانية (معضلة الفساد وسوء التّصرّف و"التّطرّف" في استعمال الحقّ في النّشاط النّقابي) فتلخّصها أيّما تلخيص صيحة الاستغاثة المؤثّرة الّتي تضمّنتها رسالة مفتوحة توجّه بها أعضاء هيئة "لننقذ المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس" الى كلّ من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة يوسف الشّاهد ونشرت على أعمدة بعض الصّحف الوطنيّة بتاريخ نوفمبر 2016 وتحدّثوا فيها بصفتهم أطبّاء واداريّين عاملين بالمستشفى عن واقع الانفلات الحاصل داخل هذه المؤسّسة الصحيّة الجامعيّة العريقة وعن الممارسات اللاّقانونيّة والمتعارضة مع مصلحة المرفق الصحّي العامّ ومع مصلحة المرضى من عموم المواطنين الّتي يأتيها "الطّرف" النّقابي تحديدا داخل هذه المؤسّسة الصحيّة ممثّلا في شخص الكاتب العامّ للنّقابة الأساسيّة بالمستشفى ومن معه.. من بين ما جاء في هذه الرّسالة قول أصحابها: "انّ هذه التّصرّفات شلّت المستشفى الّذي لم يعد قادرا على أداء مهامّه الّتي تتمثّل في تقديم الخدمات الصحيّة الجيّدة للمرضى وكذلك تكوين الطّلبة.." وذلك قبل أي يضيفوا "نحن نطلق صيحة الفزع هذه لانقاذ المستشفى من هذا الوضع الخانق.. فانقاذ مستشفى الحبيب بورقيبة الجامعي بصفاقس من هذا الوضع هو انقاذ للمواطن ولطلبة الطبّ.." علما أنّ المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس عرف على امتداد أشهر عديدة خلال سنة 2016 "تجاذبات" "وانفلاتات" خطيرة وفضائحيّة وغير مسؤولة أحيانا طرفاها الأساسيّان سلطة الاشراف (وزارة الصحّة) من جهة والنّقابة الأساسيّة للمستشفى من جهة أخرى "تجاذبات" وصلت الى حدّ اعلان "العصيان النّقابي" داخل المؤسّسة ومنع المدير العامّ المعيّن من قبل وزارة سعيد العايدي من مباشرة مهامّه.. زيارة لمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس.. لم لا ؟ ربّما كان يجدر بوزير الصحّة السيّد سليم شاكر بأن يبادر بزيارة "فجئيّة" للمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس تحديدا ليقف على "طبيعة" الوضع الاداري والاجتماعي و"سلامته" داخل هذه المؤسّسة العموميّة العريقة خاصّة وأنّه أعلن عن أنّ الدّولة ستضخّ ما قيمته 770 مليون دينار في ميزانيّات عدد من المستشفيات العموميّة وفي ميزانيّة الصّيدليّة المركزيّة.. أجل،، ربّما كان يجدر به فعل ذلك حتّى تكون انطلاقة الاصلاح والتّدارك الّتي تنوي وزارته على ما يبدو مباشرتها صلب المؤسّسات الصحيّة العموميّة على قواعد واضحة وبيّنة وسليمة تصرّفا وادارة وكذلك على مستوى الوضع الاجتماعي والعلاقات المهنيّة داخل هذه المؤسّسات "المريضة" والمفلسة.. فما تشكو منه المؤسّسات الصحيّة ليس فقط النّقص في الاعتمادات الماليّة ولكن أيضا غياب الحوكمة والانضباط لسلطة القانون..