أثار الحوار التلفزي الذي خص به رئيس الحكومة يوسف الشاهد ليلة أول أمس قناة "الحوار التونسي" ردود أفعال متباينة بين من يعتبر رجل القصبة قد نجح في تمرير رسائل طمأنة للشعب التونسي على أساس أن ميزانية 2018 ستشجع على الاستثمار وبين من يرى أن فحوى الحوار هو مجرد شعارات فضفاضة ومحاولة لإخفاء الحقيقة على الشعب التونسي. لقد أكد رئيس الحكومة في حواره التلفزي أن هدف البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحكومة في حدود 2020هو تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة الثقة للمواطن ولشباب تونس من خلال توفير مواطن الشغل وتحقيق التنمية في الجهات.. ولئن أقر رئيس الحكومة بصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، غير أنه أكد ضرورة المضي في الإصلاحات اللازمة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بدفع النمو وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية ومصارحة الشعب بحقيقة الأوضاع والعمل على إعادة محركات النمو(الفسفاط والسياحة والاستثمار والتصدير)، فضلا عن تحديد أهداف واضحة في أفق 2020 تتمثل في الحد من المديونية وتقليص عجز الدولة وتحقيق نسب نمو في حدود 5 بالمائة. وقال الشاهد إنه في حال النجاح في تحقيق هذه الأهداف، سيتسنى لتونس الخروج من دوامة الاقتراض وتوفير موارد للتنمية والتعليم والصحة، وفق تعبيره. كما بين رئيس الحكومة أن مشروع قانون المالية الذي صادق عليه مجلس الوزراء يقوم بالأساس على إعادة توجيه الجباية في اتجاه تحقيق المزيد من العدالة الجبائية بدفع القطاعات المربحة نحو المساهمة الفعلية في مداخيل الدولة حتى تتمكن من توظيفها لفائدة مشاريع التنمية. وفي ما يتعلق بدفع الاستثمار، أفاد الشاهد بأن قانون المالية لسنة 2018 تضمن إجراء استثنائيا يتمثل في إعفاء كل من يساهم في بعث مشاريع وخلق مواطن شغل في أية جهة من جهات البلاد خلال سنتي 2018 و2019، من دفع الضرائب لمدة ثلاث سنوات. وبخصوص العجز التجاري بين رئيس الحكومة أنه إلى جانب الإجراءات الحمائية التي أقرتها الدولة للحد من التوريد العشوائي، تضمن قانون المالية للسنة القادمة مضاعفة امكانيات صندوق دعم الصادرات ودعم الشركات المصدرة إلى جانب تفعيل المجلس الوطني للتصدير، مشيرا إلى ضرورة مراجعة السياسة النقدية التونسية مؤكدا في نفس السياق على ضرورة ترشيد منظومة الدعم وتوجيهها نحو الطبقات الضعيفة والمتوسطة، نافيا أية زيادات في معاليم الجولان والسفر، في مشروع قانون المالية الجديد. وفي تعليقه على المحاور السالفة الذكر التي تطرق اليها رئيس الحكومة في حواره أورد عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري في تصريح ل "الصباح" أن الحوار تطرق إلى قانون المالية بعد مصادقة مجلس الوزراء عليه بعد أن راج كثير من التسريبات بشأنه والتي يبدو انها غير صحيحة، مشيرا في هذا السياق إلى أن رئيس الحكومة قد نجح من وجهة نظره وبنسبة كبيرة في طمأنة الرأي العام على اعتبار انه أوضح أن هم الحكومة لا يتعلق بجمع المزيد من الجباية فهي قد تكون مضطرة إلى إقرار بعض الإجراءات في الترفيع في بعض الضرائب من اجل دفع عجلة التنمية والاستثمار. كما أضاف المتحدث أن الرسالة الأهم التي نستشفها من حوار رئيس الحكومة هي قوله بأن قانون المالية لسنة 2018 هو ليس قانونا يتعلق بجمع المزيد من الجباية وإنما هو قانون يدفع نحو مزيد من الاستثمار وتوفير مواطن شغل معتبرا انه ان كان كذلك فهذا سيكون مدخلا إيجابيا سيتم من خلاله بلوغ الأهداف المرجوة بما يسهم في انعاش الاقتصاد من خلال تقسيم عادل للأعباء شريطة ان لا يكون ذلك على حساب ضعاف الحال فقط فضلا عن ضرورة الحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن. في المقابل يرى عمار عمروسية عضو مجلس الشعب عن الجبهة الشعبية في تصريح ل "الصباح" تعليقا على حوار رئيس الحكومة لا سيما فيما يتعلق بالميزانية المرتقبة أن ميزانية 2018 ستسهم في إتلاف الشعب كما من شانها أن تعمق من الفقر والبطالة فضلا عن مساهمتها في انهيار القطاع العمومي والسعي الى التفويت فيه الى جانب التفريط في السيادة الوطنية. وفسر عمروسية أن ميزانية 2018 تمثل خضوعا لاملاءات الصندوق الدولي كاشفا في هذا السياق عن وجود مغالطات كبيرة في حوار رئيس الحكومة كما أن هناك محاولة لإخفاء الحقيقة على الشعب التونسي. شتاء ساخن وأورد عمروسية أن الائتلاف الحاكم وكأنه يعمل على إفلاس البلاد داعيا في هذا الإطار، لاسيما بعد أن تعالت جميع الأصوات مندّدة بالإجراءات التي ستتضمنها الميزانية المرتقبة، إلى استيراد شعب آخر يطبقون عليه املاءات صندوق النقد الدولي على حد تعبيره. وخلص عمروسية إلى القول بان هذا الشتاء سيكون ساخنا بما أن ميزانية 2018 هي عبارة عن فتيل وبرميل وقود لازمة اجتماعية قائمة. من جهة أخرى يرى غازي الشواشي أمين عام التيار الديمقراطي في تصريح ل "الصباح" أن حوار رئيس الحكومة هو مزيج من شعارات وعناوين فضفاضة مبيّنا أن رئيس الحكومة تحدث في حواره عن العدالة الاجتماعية والحال انه لم يفهم بعد مفهوم العدالة الاجتماعية على حد قوله بالنظر الى ان هذا المفهوم يقتضي معالجة جملة من المسائل الحارقة على غرار معضلة البطالة والتهميش. كما انتقد المتحدث غياب الجرأة والاستراتيجية والرؤية الواضحة في هذا الحوار والتي لا بد أن تتوفر لولوج باب الإصلاحات ومحاربة الفساد وسوء الحوكمة مشدد ا في السياق ذاته على أن ما يقال اليوم لا يندرج في إطار المخطط الخماسي أو في باب الإصلاحات المعتمدة وبالتالي لازلنا نعتمد على منطق الترضيات والعناوين والشعارات الفضفاضة على حد قوله.