حوالي 10 ايام مرت على فاجعة غرق مركب صيد يحمل مهاجرين غير شرعيين تونسيين نحو السواحل الايطالية اثر اصطدامه مع خافرة عسكرية تابعة لجيش البحر ليلة الاحد قبل الاخير .... مركب كان يحمل على متنه عددا كبيرا لا يقل عن التسعين من الشبان التونسيين من مختلف مناطق الجمهورية كانوا حاملين لامال الالتحاق بالجنان الاوروبية حسب اعتقادهم قبل ان تتبخر الامال في المياه الدولية ويتحطم مركب الصيد حين الاصطدام مع الخافرة الحربية فيسقط جميع الحراقة في المياه لتي لا يقل عمقها عن الخميس مترا... نجا 38 شابا من الهلاك المحقق فيما ابتلع البحر بقية الجثث ومن ضمنها جثة فتاة وطفل تم انتشال جثث 8 حارقين مباشرة بعد الاصطدام ثم تركزت المجهودات على البحث عن البقية وانتشال جثثهم التي تحللت بمفعول الملوحة وعالم البحار... في لحظة فارقة بين زمنين وفي منطقة تتوسط مياها اقليمية لبلدين هما تونس ارض الهجرة وايطاليا بلد الاستقبال بشكل غير شرعي في الوضعيتين انقلبت عملية ‹الحرقة› الحلم الى حرقة في قلوب الاهل على فراق احبة فيهم من وصلت جثثهم سليمة نسبيا في اليوم الاول وفيهم من وصلت جثثهم بعد ايام بتحلل وتعفن كبيرين وفيهم من ينتظر بقايا جثث الاحبة لتدفن في تراب البلدة والقرية... ماساة انسانية بحق عصفت بقلوب عائلات من مختلف مناطق الجمهورية منذ ما يزيد عن الاسبوع ولا تزال الماساة مستمرة ... مشاعر الاسى والحزن واحدة رغم تباعد المسافات بين الملتاعين ... وتزداد الحرقة كلما مضت الساعات والايام دون خبر العثور على جثة هذا او ذاك من الابناء او الاحبة او الاقارب ... تشرئب الاعين بقلوب دامعة نحو قسم الاموات بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة من اجل معرفة ان كان بين من تم انتشالهم حبيب او فلذة كبد يتم استلام جثته على عجل للاسراع بالدفن ما دامت متحللة والروائح المنبعثة منها تحيل الى الف سؤال وسؤال .... نعم في محيط قسم الاموات بالمستشفى عائلات منتشرة منهم من يقضي الساعات وقوفا ومنهم من يفترش الارض في مواجهة حر الشمس وبرد الليل ومنهم من يتغذى على سيجارة تلو السيجارة ومنهم من يسد انفه بيده او بكمامة لمواجهة الروائح المنبعثة من الجثث المتحللة والتي لم تنجح مكاتب قسم التشريح في احتوائها ... مشاعر متناقضة بين الاسى واللوعة وبين اتهام الحكومة بالتسبب في دفع شبابه نحو احضان المجهول وبين مطالبة باجراء تحقيق جدي وشفاف للوقوف على ما جرى خصوصا وان الانتقادات والاتهامات الصادرة عن الناجين من غرق المركب ومن شهادات اهالي المفقودين او الهالكين تصب في اتجاه تحميل بعض من كان على متن الخافرة بالتسبب في الكارثة والمطالبة بمحاسبة كل من ثبت تورطه في حصول التراجيديا وفي القضاء على احلام شباب فضلوا ان ‹يهجوا› من الديار نحو الغربة التي يمكن ان تكون مرة لكن مرارتها لا تتجاوز في اعتقادهم مرارة البقاء في ارض الوطن من دون عمل ولا شغل ولا مستقبل حالم ... الفاجعة كانت كبيرة ولذلك تحركت المنظمات الحقوقية والانسانية للمطالبة باجراء تحقيقات قضائية جدية وشفافة ومسؤولة، وفي هذا الاطار عقد فرع صفاقس الشمالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ندوة صحفية صباح امس بمقر فرع صفاقس الجنوبية وبحضور عدد من الحقوقيين ومن الناجين من ‹تيتانيك› المتوسط ومن اهالي الضحايا والمفقودين وتم الاستماع الى شهادات حية حملت الخافرة الحربية المسؤولية في تعمد صدم مركب الصيد والتسبب في الكارثة وفق الافادات المقدمة وحضرت الدموع الغزيرة والسخية حين الاستماع إلى بعض الشهادات وحين رؤية الشاب وليد لحمر من بئر علي بن خليفة والذي نجا من الغرق لكنه اصيب بصدمة نفسية جعلته عاجزا عن النطق وهو يرتعش كشيخ مسن مع انه في سن الشباب. تنسيقية الدفاع عن ضحايا 8 أكتوبر خلال الندوة الصحفية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بصفاقس تم الاعلان عن تشكيل تنسيقية الدفاع عن ضحايا 8 اكتوبر تتكون من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بفروع صفاقس الشمالية وصفاقس الجنوبية وقبلّي وسيدي بوزيد والجمعية التونسية للمحامين الشبان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفرع صفاقس للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب. مهام التنسيقية لفت القائمون على التنسيقية ان اهدافها الرئيسية تتمثل على المستوى القانوني في تقديم المرافقة والمساعدة القانونية للضحايا وذلك بالقيام بكل الاجراءات القانونية اللازمة لكشف الحقيقة وتحميل المسؤوليات تبعا لذلك وقد تم تكوين فريق من المحامين المتطوعين للنيابة في القضية التحقيقية المنشورة امام القضاء العسكري بتكليف من الاهالي والمنظمات المذكورة ويبقى هذا الفريق مفتوحا لسائر المحامين الراغبين في التطوع . واما على مستوى التحري والاعلام فيتمثل عمل التنسيقية في مواكبة المعطيات المتعلقة بالحادث والتطورات التي تتعلق بمآل المفقودين ومواصلة التعرف على مصير الجثث بالتواصل مع الجهات الادارية والصحية الرسمية وقد تم تكوين لجنة تتولى جمع المعلومات من مختلف المصادر والتأكد من صحتها واحاطة عائلات الضحايا والراي العام بها. واما على مستوى الاحاطة الطبية والنفسية فقد اعلنت التنسيقية عن تعهدها بالمرافقة النفسية والطبية للناجين خاصة ولأهالي الضحايا وذلك بواسطة المختصين والخبراء المتعاونين مع المنظمات المذكورة، وقد تم تكوين لجنة لمتابعة الحالات وقد وجهت دعوة المتطوعين من اهل الاختصاص للالتحاق بها للمساهمة في تقديم المساعدة. «الخافرة العسكرية تعمدت صدمنا واغراقنا» في شهادة بعض الناجين ومنهم محمد علي الفرجاني من شنني قابس قال لنا انه سعى مرات الى الهجرة غير الشرعية وقد تم اعتراض مراكب الصيد ولكن لم يتم التعامل معهم من الجهات الامنية والعسكرية بمثل الشدة في قضية الحال وتساءل عن اسباب هذه القسوة وتعمد اعتراض مركب الصيد ثم رشه بالماء ثم صدمه وقال ان الباخرة العسكرية تعمدت اغراق المركب ولم توفر الحماية ولا النجدة لمن لم يكونوا يحسنون السباحة. وقال الفرجاني انه بعد ما جرى من اهوال يعتبر نفسه الان ميتا بين الاحياء وهو يعيش على كوابيس تلك الليلة وعلى صور اصدقاء وتونسيين معه اصبحوا في عداد الغرقى والمفقودين. في نفس الاطار تحدث علي بن حامد من بئر علي بن خليفة فقال انه بعد ساعتين من متابعة الخافرة العسكرية لمركبهم تم صدمهم ولم يقدم عسكريو الخافرة النجدة للغارقين واضاف انه يعرف السباحة وقد رمت الخافرة حبلا له تلقفه ولكن بعد ذلك رموا الحبل ليعاود السقوط في الماء واشار الى أنه عاود السباحة ثم امسك بسلم متدل وبذلك نجا وطالب بفتح تحقيق جدي وشفاف لتحديد المسؤوليات ومعاقبة من كانوا سببا في الكارثة. كما تحدث الينا نعيم لحمر شقيق الناجي وليد لحمر فقال ان ما جرى للمركب كان فوق الوصف وان شقيقه رغم انه نجا من الموت الا انه الى الان عاجز عن النطق وعن التحكم في اعضائه جراء صدمة ما جرى وجراء فقده لأبناء عائلته ممن كانوا الى جانبه في المركب يلعب معهم وقال ان ما جرى خطير ومخالف للأعراف وانه لا يتهم المؤسسة العسكرية ككل وانما بعض من كانوا من جنود على متن الخافرة وهم لا يمثلون روح الجيش وعقيدته وانسانيته. وتحدث اهالي المفقودين خلال الندوة الصحفية منتقدين التعتيم والغياب الواضح في المعلومة وعدم اكتراث لمصابهم وشددوا على ضرورة فتح بحث تحقيقي في الحادث امام المحكمة العسكرية الدائمة بصفاقس دفاعا عن الحق وتأسيسا للعدالة.