من المنتظر أن تعود الساحة السياسية إلى حالة من الاستقطاب الجديد على قاعدة أحزاب وسطية اجتماعية وأحزاب يمينية محافظة وأخرى يسارية وذلك إلى حين موعد انتخابي عنوانه الانتخابات التشريعية والرئاسية 2019. وفي الواقع فقد بدأت الساحة السياسية تشتغل وفق هذا المحور الذي شكل منطلقا حقيقيا لإعادة طرح علة وجود الأحزاب منفردة وأهمية التجميع والعمل السياسي المشترك على قاعدة موحدة وأهداف جامعة ولئن نجح البعض في تجاوز الأنا المتضخمة على غرار الانصهار الحاصل بين التيار الديمقراطي والتحالف الديمقراطي فان البعض الآخر مازال يبحث عن مداخل ممكنة لتوحيد الصف. نقطة من شانها أن تخلق توازنا سياسيا ممكنا لمواجهة التحالف الحاصل بين النداء والنهضة والذي استطاع من خلاله الحزبان السيطرة على مفاصل السياسة داخل البرلمان وخارجه والتحكم في اللعبة السياسية برا وبحرا وجوا في حصار واضح للساحة مع بعض الاختلافات التي سرعان ما تجد طريقها للحل. المشروع.. من جبهة الرياحي وقد حاولت أحزاب أن تفتح الطريق أمامها بعد ان انحسرت وظيفتها في ادوار ثانوية الا أنها سرعان ما توقفت بعد خلافات حادة بين «جينرلاتها» وكانت جبهة الإنقاذ والتقدم مقدمة لاختراق جدار التوافق بين النداء والنهضة إلا أنها تاهت في الطريق رغم توفر كل الضمانات السياسية والإمكانيات المادية للنجاح. فباستثناء الصور الديبلوماسية والمصافحات والابتسامة أمام عدسات الصحفيين فان واقع جبهة الإنقاذ لم يكن ذا معنى بالنسبة لشق التجمعيين داخل مشروع تونس. فقد سعى بعضهم إلى إقناع محسن مرزوق بعدم المجازفة والانخراط في مشروع جبهة الإنقاذ والدفع بتعطيل مثل هذه الاجتماعات مما أخر الإعلان الرسمي عنها في أكثر من مناسبة. وقاد هذا التوجه كل من النائب بمجلس نواب الشعب محمد الطرودي ورئيسة المجلس المركزي وطفة بلعيد بالإضافة إلى المدير التنفيذي للحزب عبد الحميد العلوي. واتهم الأستاذ محمد كمال يحياوي العضو المؤسس لحركة مشروع تونس وعضو مكتبها السياسي -أعلن عن استقالته الحزبية من الحركة بصفة رسمية ونهائية أول أمس الاربعاء- عبد الحميد العلوي بزرع مجموعات مأجورة موالية له في الجهات. كما اتهم اليحياوي الأمين العام بفرض مدير تنفيذي «العلوي «على رأس الحركة لا يتمتع بمواصفات الحنكة والقيادة في مرحلة دقيقة وحسّاسة وتسليم زمام الحزب لمجموعة من الانتهازيين والنفعيين والدخلاء والنزوع إلى التقليص من تواجد المؤسسين الحقيقيين والمناضلين وقد خلف هذا الموقف أسئلة عديدة حول الأسباب الحقيقية التي جعلت المشروع متراخيا عن العمل صلب جبهة الإنقاذ في وقت كانت فيه قياداته السياسية أكثر المتحمسين بل ودعاة لتجميع الأحزاب ضمن إطار سياسي واحد. وقد اتهمت أطراف من داخل الحزب الأمين العام محسن مرزوق بخضوعه لسيطرة التجمعيين الناشطين صلب حركة مشروع تونس بعد ظهور موقفه المتضارب مما ولد نوعا من الحيرة في أداء مرزوق وتعاطيه مع هذا الملف. ..إلى مهدي جمعة وآخرين انتهت الجبهة مع إعلان الناطق الرسمي باسم الاتحاد الوطني الحر سميرة الشواشي عن «تورط مرزوق وحزبه في الإيقاع برئيس الحزب سليم الرياحي وإعداد ملفات قانونية ضده». تهمة أنهت العلاقة داخل الجبهة إلا أنها لم تكن أيضا سوى بداية لإعادة تجربة أخرى بعد ان توجه مرزوق إلى أحزب أخرى على غرار البديل لمهدي جمعة وحزب الوطن لمحمد جغام التي فتحت باب النقاش لصياغة مشهد جديد قد يكون محورها جبهة أخرى من شأنها أن تجنب الأحزاب زحمة العائلة الوسطية. اليسار يتجدد أثار الموقف الأخير للوزير السابق عبيد البريكي بخصوص بعث حزب يساري كبير عدة تساؤلات حول توقيت إعلانه عن توجهه السياسي في وقت اشتد فيه الضغط على الائتلاف اليساري الجبهة الشعبية وخاصة على ناطقها الرسمي حمة الهمامي. وشكلت الجبهة خلال مرحلة عملها مختبرا للكيانات اليسارية المتمرسة بالعمل الإيديولوجي القائم على مجموعات وزعامات متناحرة تاريخيا من اجل تذويب الحواجز النظرية والنفسية وهو ما اتبعه الشهيد شكري بلعيد ونجح فيه حين أنكر ذاته كزعيم أول لفائدة حمة الهمامي. ورغم الخلافات الحاصلة بين «الوطد» و»البوكت» (حزب العمال) فقد استطاعت الجبهة تأجيل كل ذلك إلى حين. ويرى متابعون انه لا اجتهاد نظري في الجبهة لغياب النصوص النظرية التي تحدد طبيعة المرحلة واليات الفعل السياسي وأهدافه ولم تطور خطابها ولم تخلق زعامات سياسية جديدة مما خلق الفراغ حول شخص ناطقها الرسمي وحتى تنظيميا فقد ظلت مجرد شتات لأحزاب إيديولوجية متلاصقة لا جدل بينها. ويعود موضوع اليسار الجديد ليتداول داخل الأوساط السياسية وأساسا بين اهم قيادات اليسار التونسي سواء أولئك الذين نشطوا في الاتحاد العام التونسي للشغل أو الاتحاد العام لطلبة تونس أو حتى بعض النشطاء المستقلين الذين بقوا خارج الجبهة الشعبية . واذ تبدو فكرة اليسار الجديد اعادة لإحياء هذا التيار الفكري الذي فقد جل مقوماته وبوصلته في كثير من الأحيان، فان إحياءها من شانه ان يخلق ديناميكية حقيقية بين مختلف الفواعل السياسية في بلادنا خاصة وان تجميع اليسار خفت بريقه وفشلت الجبهة الشعبية في اقناع جل العائلات الفكرية في هذا التيار من الالتحاق بها كمدخل لتوحيد اليسار. ولئن لاقى مشروع اعادة احياء اليسار الكبير تعاطفا فانه ايضا وجد تضادا معه سيما وان شخصية عبيد البريكي محيطة بالكثير من الغموض والشك.