تطالعنا يوميا على صفحات الجرائد وعبر وسائل الإعلام جرائم فظيعة تتجاوز أحيانا حدود إدراك العقل وتؤشر على ازدياد منسوب الجريمة والعنف في تونس بشكل غير مسبوق ينذر بعلل وأمراض استوطنت كيان وبنيان الأسرة التونسية والمجتمع. وبشاعة هذه الجرائم تحملنا إلى سياقات ودلالات أخرى تؤكد أن المنظومة القيمية والتربوية والأسرية إهتزت واهترأت بفعل تأثيرات وعوامل عديدة داخلية وخارجية وباتت تحتاج إلى حالة استنفار من جميع المتدخلين لوقف النزيف والمزيد من الانحدار نحو الفوضى و»الوحشية» خارج حدود الانسانية والمدنية والتحضر. فلا يمكن أن تكون حادثة استدراج عجوز على كرسي متحرك من قبل 3 شبان للتداول على اغتصابها وحادثة اعتداء إخوة بالفاحشة على أختهم الحاملة لإعاقة وحوادث القتل اليومية لأبناء في حق أبائهم وأمهاتهم وجداتهم أو لأباء وأمهات في حق فلذات أكبادهم وغيرها من الحوادث الغريبة المسجلة في الفترة الأخيرة إلا علامة على أمراض وضغوط تهدد توازن الفرد النفسي والتوازن الأسرى والمجتمعي بشكل عام. وقد حلّت تونس في المرتبة العاشرة عربياً ضمن التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي للعام الجاري الذي يعتمد على معايير القتل والسطو والسرقة والاغتصاب، وغير ذلك من أشكال الجريمة وكلها جرائم، ودون الحاجة إلى احصائيات، نسبها في تزايد مطرد «كما وكيفا» في بلادنا. يحيل الحديث عن ارتفاع نسب الجرائم والعنف إلى موضوع أهم أصبح اليوم للأسف طي النسيان وهو الأسرة من حيث هي النواة الأولى للمجتمع وللتربية والتأطير وصقل الناشئة. فمثل هذه المواضيع على أهميتها ضاعت في ثنايا الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وأيضا الصراعات الجانبية والتجاذبات التي تركز على مواضيع «تافهة» أحيانا لكنها تعتبر مادة دسمة اعلاميا يمكن عبرها ومن خلالها تغذية الصراعات الحزبية والإيديولوجية لتسجيل النقاط على الخصوم السياسيين ومحاولة جرهم إلى نقاشات لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تضيف الكثير في سياق الإصلاحات المطلوبة في تونس على أكثر من صعيد وفي مقدمتها الإصلاحات الاجتماعية وإعادة ترميم وضع الأسرة. لنعترف أن مجتمعنا «مريض» وأن الأسرة تعانى التفكك في ظل نسب طلاق مخيفة وتهميش وغياب كل أنواع الإحاطة والتأطير وأن القفز على هذه المشاغل الحقيقية عمق الأزمات في بلادنا وغذى نسب الإجرام في جميع أشكاله وتجلياته لأن تزايد نسب الانتحار و»الحرقة» بحثا عن تنائية «الخلاص والموت» هو أيضا جريمة في حق الذات لكنها تبقى جريمة لها دوافع نفسية وأيضا اجتماعية تتحمل فيها الأسرة والمجتمع والدولة المسؤولية تماما كما الارتماء في أحضان الإرهاب والمجموعات الإرهابية فهو جريمة وعنف مجتمعي له أسبابه العميقة التي تؤكد بدورها وجود علل وأمراض في الأسرة التونسية وفي المجتمع ككل. إن معضلة التفكك الأسرى في تونس اليوم وعلاقتها العضوية والمباشرة بجملة من المشاغل والتحديات التي تواجه البلاد تؤهلها لتكون في صدارة أولية الاهتمامات وهي تتطلب خططا واستراتيجيات كتلك التي تعد للتصدي لكل ما من شأنه أن يهدد أممنا القومي.