لا ندري صراحة ان كان يتعين أن نصدق ما أقدم على تسريبه موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية على الانترنت بشأن لقاء عقد في نيويورك حديثا وجمع مسؤولين أمنيين إسرائيليين سابقين مع نظرائهم في السعودية.. وحسب الموقع فإن رئيس «الموساد» الأسبق أفراييم هاليفي تحدث مع نظيره السابق السعودي تركي الفيصل حول عديد المسائل المرتبطة بالشرق الاوسط بما في ذلك الوجود الروسي في سوريا والملف النووي الايراني والنزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. والحقيقة أنها ليست المرة الاولى التي يتم تسريب مثل هذا الانباء عن لقاءات اسرائيلية عربية في إطار ما يعرف بالعلاقات المستقبلية بين اسرائيل والعالم العربي السني في إطار مراكز التفكير (think tank) والتي ستحرص المصادر على التأكيد على أنها جمعت مسؤولين سابقين، بمعنى أنها لا ترتقي الى اللقاءات الرسمية.. ودائما حسب نفس الموقع فإن المسؤول الاسرائيلي السابق فاجأ الحضور بالحديث عن لقاءات بين الطرفين تعود الى سبعينات القرن الماضي عندما كان أبا إيبان وزيرا للخارجية في إسرائيل.. وبعيدا عن تحميل الخبر أكثر مما يحتمل فإن أهم ما تم تسريبه على لسان مسؤول الاستخبارات الاسرائيلي السابق اعتباره «أن سوريا ليست مجرد بلد في الشرق الأوسط، وإذا كان هناك هزات في هذا البلد فإن ارتداداتها ستبلغ كل المنطقة باعتبار أن سوريا مركز الاسلام والقومية العربية» على حد تعبيره، قبل أن يخلص الى أنه «يجب التفاوض مع الارهابيين باعتبار أن المفاوضات جزء من الآليات الديبلوماسية».. وهنا مربط الفرس وما يمكن أن تحتمله هذه التسريبات التي تتزامن مع جملة من الاحداث والتطورات والتعقيدات التي تعيش على وقعها المنطقة ومن رسائل مباشرة أو غير مباشرة، لا سيما عندما يتعلق الامر بالملف الإيراني، وبالمشهد السوري أيضا وتحديدا بالخارطة السورية وما ستؤول اليه مستقبلا... فليس سرا أن ما سربه الموقع الاسرائيلي يتزامن مع جولة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في العواصم الخليجية بحثا عن اختراق الازمة المستمرة بين قطر وبقية دول مجلس التعاون ومصر والتي تدخل شهرها السادس دون مؤشر على قرب انتهاء مع تواتر التسريبات بشأن توجه نحو انقسام مجلس التعاون الى مجلسين، قد يضم الاول السعودية والامارات والكويت والبحرين ومصر وربما الأردن، فيما يمكن ان يضم الآخر قطر وسلطنة عمان ... حتى الآن من الواضح أن وساطة تيلرسون منيت بالفشل في ثاني تدخل له بين الاطراف المعنية... تيلرسون الوافد الجديد من عالم المال الى عالم السياسة ليس غريبا عن منطقة الشرق الاوسط التي خبرها جيدا منذ كان مديرا للمجموعة النفطية «ايكسون موبايل» والذي يتعين عليه اليوم أن يجدد طاقاته لفهم طبيعة وتعقيدات وتحديات الازمات المتوارثة في الشرق الاوسط وتداعيات السياسة الخارجية لواشنطن وانحيازها المفرط للحليف الاسرائيلي.. «لا يوجد أي مؤشر أو استعداد من السعودية للحوار».. هذا ما خلص اليه تيلرسون، والارجح أن المسؤول الامريكي لا يبالغ في هذه الناحية. ولعله ليس بمستاء ولا هو متعجل بدوره للدفع الى تسوية سياسية بين الاخوة الاعداء لتجاوز خلافاتهم والخروج من دائرة انسداد الافاق .. زيارة تيلرسون الى المنطقة ستتلوها زيارة مماثلة لوزير الخزانة الامريكي عنوانها مستنسخ من زيارة وزير الخارجية وستكون تحديدا مواجهة تأثير إيران المزعج للاستقرار في الشرق الاوسط وتمويل الارهاب... عود على بدء في انتظار أن تتضح الصورة بشأن التحالفات الجديدة العربية السنية الاسرائيلية تحت غطاء الخطر الايراني..