رغم أنها أنقذت موسم الزيتون لهذه السنة، إلا أن الأمطار الأخيرة المسجلة خلال الأسبوع الأول من شهري سبتمبر وأكتوبر تعتبر ضعيفة للغاية وتؤكد وجهة نظر علمية مناخية تنبأت بها دراسات وتقارير علمية عديدة مثل تلك التي أنجزها المعهد الوطني للدراسات الإستراتجية بتونس.. فحجم التساقطات وتوزيعها في بداية الموسم الفلاحي الحالي تشير إلى إمكانية تواصل ظاهرة انحباس الأمطار وتمطط الجفاف الذي تمر به تونس للسنة الثالثة على التوالي وهو ما ينبئ بأضرار وخيمة على القطاع الفلاحي وايضا على قطاعات اقتصادية متنوعة وخاصة على جودة مياه الشرب وتقلص كميات مياه الري واستنزاف الموارد المائية السطحية منها والجوفية التي دخلت في طور النضوب الكلي بسبب الاستغلال الفاحش والعشوائي وعدم تجدد المائدة المائية..b الموارد المائية في تونس محدودة وفي تناقص مستمر، بسبب تقلبات المناخ وارتفاع درجات الحرارة، وهي حقيقة ثابتة تعزز من سنة لأخرى، الأمر الذي تسبب في تدني جودتها وارتفاع نسبة الملوحة التي تفوق 2 غ في اللتر بالنسبة لأكثر من 35 بالمائة من جملة الموارد. ووفقا لدراسة صادرة عن المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في جانفي 2014 وأيضا في دراسة أخرى صادرة سنة 2011، تشهد المياه الجوفية خاصة منها الواقعة بالوسط والجنوب وضعية كارثية بسبب تقلص منسوبها واستغلالها بنسبة تفوق 120 بالمائة، ومن شأن تواصل استنزافها ان يهدد استمراريتها في صورة عدم اتخاذ إجراءات عاجلة الإسراع باستكمال مشروع تحويل مياه الشمال او اقامة مشاريع تحلية مياه البحر، والتحكم في طرق التصرف في الموارد المائية المتاحة خاصة أن المساحات السقوية التي تستغل 80 بالمائة من مياه السدود تقدر حاليا ب400 الف هك وقد تتجاوز 500 الف هك سنة 2030، علما أن نصيب التونسي من المياه يقدر حاليا ب376 مترا مكعبا سنويا (من أضعف النسب في العالم) لينخفض هذا المعدل إلى ما دون ذلك بكثير في 2030. تقلص الموارد مقابل ارتفاع الحاجيات المفارقة أن الموارد المائية في تقلص مطرد بسبب نقص الأمطار وتعدد سنوات الجفاف والاستغلال التعسفي للمياه الجوفية من جهة، مقابل تطور الاحتياجات من المياه التي تختلف من منطقة لأخرى من جهة أخرى، وأيضا تطور الحاجيات مع ارتفاع مطرد لكلفة البنية التحتية لاستغلال الموارد المائية.. السبب الذي كان وراء تحذير الدراسة من اندلاع أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية مستقبلية. ويقدر المخزون الجملي للسدود، حاليا بحوالي 587 مليون و235 مترا مكعبا مسجلا عجزا قدره 406 مليون و519 مترا مكعبا، وفق ما أعلن عنه فائز مسلم المدير العام للسدود والأشغال المائية الكبرى بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، في تصريح ل»وات» أكده تصريح لاحق لوزير الفلاحة والموارد المائية سمير بالطيب.. وتتوزع كميات المياه المتوفرة على 16 سدا في الشمال و8 سدود في وسط البلاد و6 سدود في الوطن القبلي. ورغم استيعابه 700 مليون متر مكعب، باعتباره الأكبر في تونس، لا يضم سد سيدي سالم، حاليا، سوى 95 مليون متر مكعب جراء نقص مياه الأمطار خلال السنتين الأخيرتين وضعف إيرادات وادي مجردة. وعزا مسلم، هذا الوضع إلى الجفاف الذي تعيشه تونس، مشيرا إلى أن الإيرادات المتراكمة، من غرة سبتمبر إلى 8 أكتوبر 2017، بلغت 19 مليون و145 مترا مكعبا مقابل 30 مليون و203 متر مكعب، خلال نفس الفترة من السنة الفارطة. في حين يصل المعدل، خلال هذه الفترة، إلى 175 مليون و822 مترا مكعبا. تراجع إيرادات السدود ب60 % بدوره كشف، مصباح الهلالي ر م ع الشركة الوطنية للاستغلال وتوزيع المياه في تصريح صحفي أن الموارد المائية في تونس تتوزع على 60 % سطحية و40 % جوفية وهي مرتبطة بالأمطار، وعلى وقع تتالي سنوات الجفاف، وذكر أن إيرادات السدود في 2017 تراجعت بنسبة 60% ونزلت إلى 20 % لأكبر سد في الجمهورية.. لكنه أكد في تصريح آخر نشر بجريدة «المغرب» أنه تم وضع إستراتجية لحسن التصرف في استغلال المياه قائمة على أربعة محاور كبرى تتمثل في تعبئة موارد مائية بنسبة 95% مع نهاية المخطط الحالي مع استكمال بعض السدود في جهة طبرقة وبنزرت مع موفى 2020، والمحافظة على الموارد المائية الجوفية من التلوث والاستغلال المفرط، وتعبئة الموارد المائية غير التقليدية وإعادة استعمال المياه المستعملة المعالجة وتحلية المياه، والمرور من سياسة التحكم في العرض إلى التحكم في الطلب وترشيد الاستهلاك.. تخوف من النزاعات والأزمات الاجتماعية وبالعودة إلى الدراسة التي تحلل واقع الموارد المائية وآفاقها حتى سنة 2030، خلصت إلى أن قطاع المياه في تونس يتطلب إجراءات ذات أولوية لتحسين الحالات الحرجة وإمدادات المياه واستدامة الخدمات والأشغال ونظم الإنتاج والتوزيع. كما يتطلب على المستوى الوطني والإقليمي وضع إستراتيجية تقوم على خطة عمل متماسكة وعقلانية تحترم الأولويات تدمج أنواع مختلفة من الموارد المائية لتحقيق نتائج ملموسة في الوقت المناسب، فضلا عن تنفيذ مشاريع تعبئة للمياه للتمكن من التعامل مع النقص الحاصل والعجز المستمر في السدود وفي المياه الجوفية، والتحكم في الفيضانات، والحذر من التلوث وتدهور التوازن البيئي واعتماد طرق جديدة للتنمية أكثر إنصافا واستدامة لتلبية احتياجات المناطق الداخلية والحدودية، وضمان مستقبل الأجيال القادمة. وتتطلب الرؤية الجديدة للتعبئة مزيد التحكم في تدفق الأودية الرئيسية في البلاد فضلا عن معالجة مستجمعات المياه والسدود التي تحتاج بدورها إلى الصيانة الدورية وتركيز جيل جديد متطور من السدود، والاستثمار اكثر في تقنية تحلية مياه البحر أو المياه المالحة، واستغلال مياه الصرف الصحي المعالجة.. وعبرت الدراسة عن التخوف من اندلاع نزاعات خاصة في المناطق الداخلية التي تعاني من فقر مائي مع اتساع التفاوت بين الجهات والمناطق وبين الريف والحضر في مجال توفر مياه الشرب ومياه الري.. في صورة عدم وضع خطة متكاملة تتضمن إجراءات عاجلة ومشاريع مستقبلية لتأمين الحاجيات الاستهلاكية المتزايدة من المياه.. تجاوز الطلب على المياه الموارد المتوفرة وتوقعت الدراسة أن يتجاوز الطلب على المياه المرتبطة بالنمو السكاني وارتفاع مستويات المعيشة، بحلول عام 2030، توافر الإمدادات. وأوصت بضرورة مزيد الاستثمار في قطاع المياه ومزيد حوكمته واعتماد تقنيات جديدة في تعبئة الموارد المائية والتحكم في مياه الري والمياه المعالجة.. في عام 2030، سيكون الطلب أكبر من الموارد التقليدية القابلة للاستغلال، ويقدر بنحو 2760 مليون متر مكعب، في حين أن الموارد هي فقط 2732 مليون متر مكعب. وستصل تحلية مياه البحر إلى 46 مليون متر مكعب تلبية احتياجات مياه الشرب في جنوب شرق البلاد. وستصل كميات مياه الصرف الصحي المستخدمة في الزراعة إلى 140 مليون متر مكعب..