شعور عميق بالغضب وفقدان الأمل.. بغياب العدالة الاجتماعية.. بنقص الخدمات الصحية.. بظلم الالة البوليسية.. بضيم المحسوبية وقلة يد الحيلة.. بالفقر والخصاصة وفقدان الأمل الذي يصل حد محاولات الانتحار.. هو بعض ما يمكن التقاطه من الحوار الذي كان لشباب مدينة الرديف المتواجد بمراكز الإيواء بجزيرة لمبادوزا الايطالية منذ نهاية اكتوبر 2017 لمكتب «امل المتوسط» في لامبادوزا.. وكانت كابرز دوافعهم للتفكير في الهجرة غير النظامية وركوبهم البحر. وهي ايضا نفس الاسباب التي يرفضون على اساسها العودة (الترحيل) من جديد الى تونس وما جعلهم ينفذون اضرابا عن الطعام في مركز الايواء الايطالي.. تصريحات شباب الرديف في التقرير الصادر عن مرصد لامبادوزا وتم ترجمتها من قبل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الى العربية وتحصلت «الصباح» على نسخة منه.. ذكر خلالها كل من سمير وكريم ومحمد (اسماء مستعارة) ان اغلب المشاركين في رحلة الهجرة الحرقة هم ممن طالت بطالتهم من حاملي الشهائد العليا.. عنف الدولة.. يشخص سمير الوضع في قريته بالجنوب التونسي فيقول «لا توجد هناك مستشفيات رغم تدهور حالتنا الصحية.. أنظروا الى أسناني، هذا من تأثير مياه الحنفية التي نشربها لأننا لا نقدر على شراء المياه المعدنية المعلبة.. الفسفاط والمواد الكيميائية الأخرى التي نستنشقها دمرت رئاتنا وفتّتت عظامنا. حرمتنا البطالة والخصاصة من التأمين على المرض وبالتالي التمكن من العلاجات التي نحتاجها...». وافاد محمد بان « تجاوزات وعنف قوات الأمن أمر نتعرض له يوميا. سبق وأن سُجنت لستة أشهر فقط لأنني طالبت بحقي في التشغيل. تقلقني أيضا الهجمات الارهابية التي تتعرض لها تونس، هجمات تتصاعد وتيرتها وتمس عددا أكبر من الأشخاص يوما بعد يوم ولا رغبة لي في التورط فيها. أخشى أن يُقبض عليّ لمشاركتي في المظاهرات ثم اتهامي بالمشاركة في أعمال ارهابية فالحكومة تقمع كل أشكال المعارضة السياسية والاجتماعية بتعلّة مكافحة الارهاب.. انقطعت أنفاسي بسبب الغيظ الذي أكظمه. لطالما أحسست بظلم الحكومة لي، وكأنني لا أحمل الجنسية التونسية، بسبب التمييز المجحف بين أهالي شمال البلاد وأهالي جنوبها كأمثالي.» ويضيف كريم «بلغت الثلاثين من عمري ولم أتمكن حتى الآن من ايجاد معنى لوجودي أو شغل يحفظ كرامتي. كرهت الحياة حتى أنني حاولت الانتحار مرة. قيمة الضرائب مرتفعة جدا وان لم تقدر على دفع الرشاوى للمسؤولين فلن تتحسّن وضعيتك في تونس..». الوضع البيئي يطفو على السطح.. تصريحات اعتبرها رمضان بن عمر المتحدث باسم بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بمثابة التأكيد على جاء في اغلب المقاربات الاجتماعية لظاهرة الهجرة غير النظامية، فالدراسة التي شملت احياء تونسية شعبية تقول ان 80% من الذين عبروا عن رغبتهم في الهجرة لهم مشاكل مع السلط الامنية او الادارية، ونفس النسبة تبحث في جانب من هجرتنها على وضع اقتصادي افضل، اما المصطلح الجديد الذي جاء في لقاءات شباب الرديف، فيتعلق حسب رايه بما هو بيئي وكل ما له ارتباط كبير بتردي الخدمات الصحية (جاء في جميع التصريحات) .. ولذلك يمكن القول ان التغييرات المناخية والبيئية ( مياه الشرب وتلوث الهواء ) قد أصبحت من ضمن عوامل ودوافع الهجرة غير النظامية من بلادنا.. وشدد بن عمر على ضرورة خروج «الدولة» من دائرة مقاربات العصابات الاجرامية والوضع الاقتصادي في تناولها للهجرة غير النظامية على انها اسباب موجودة لتاخذ بعين الاعتبار ما تكشفه هذه التصريحات التي تعد الاكثر مصداقية فيما يتعلق بموجات الهجرة التي ما انفكت تشهدها البلاد.. واشار رمضان بن عمر الى ان وما ورد في تصريحات شباب الرديف ليس الا تأكيدا جديدا لفشل منوال التنمية ولغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية الذي يبدو ان الشعور به قد تعمق لدى الشباب.. وفي المقابل يتحدث الجميع ( مسؤولون ومجتمع مدني) عن ضرورة مراجعته(منوال التنمية) ولا يتم اتخاذ اي إجراء في شانه.. وتجدر الاشارة الى انه وبصفة دورية يستقبل مطار النفيضة خارج جدول رحلاته الرسمي طائرتين قادمتين من ايطاليا او المانيا، في إطار اتفاق بين الدولتين على تنظيم رحلات الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين التونسيين..