بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأراضي الفلاحية.. من معطاء.. إلى جرداء (1-2)
نشر في الصباح يوم 18 - 11 - 2017

تعرف البلاد التونسية بأنها فلاحية تكتنز مساحات شاسعة من الاراضي الصالحة للاستغلال الزراعي وقد كانت الاراضي الفلاحية مفخرة تونس بعد الاستقلال وكانت اهم داعم للاقتصاد الوطني بما تجود عليه من انتاج ظل على مدى سنوات مضرب الامثال في الجودة والنكهة تجاوزت شهرته الحدود لتغزو الاسواق العالمية خاصة منها العربية والاوروبية.
بالامس كان العمل الفلاحي يورّث ينقل الأب لابنه حب الأرض لذلك كانت فئة كبيرة من الشباب تقبل على العمل الفلاحي بل وتتفاني فيه.. اليوم تغيّرت الصورة... يرى الأبناء العذاب الذي يعانية الآباء في خدمة الارض وحجم الأزمات التي تثقل كاهلهم من مديونية ومشاكل المياه والبذور والمشاتل وانعدام التشجيعات فينفرون من خدمة «ارض الجدود» وسنة بعد أخرى وفي ظل الاهمال تتحوّل العديد من الأراضي الخصبة الى أراض قاحلة لا حرث ولا زرع فيها وهذا سبب من بين اسباب كثيرة لتراجع الانتاج وتراجع الصادرات وبالتالي لعجز الاقتصاد.
«الصباح» تحاول من خلال هذا الملف البحث في الاسباب التي حوّلت اراضينا الفلاحية من معطاء الى جرداء والانطلاقة تكون من بنزرتاكودة والقصرين.
في بنزرت.. الصناعة تهزم الفلاحة بالضربة القاضية
يوم 5 أكتوبر الماضي انعقدت جلسة عمل بمقر المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية ببنزرت خصصت لتدارس وضعية 10 شركات إحياء وقد تطرق الحاضرون إلى نتائج الموسم الفلاحي 2016/2017، برمجة الغراسات والزراعات في الموسم الفلاحي2017/2018 ويعتبر بعث مثل هذه الشركات حلا ممتازا لإنقاذ الأراضي القابلة للزراعة المهملة في ولاية بنزرت نظرا لغياب اليد العاملة وتشتت الملكية والمصادرة او إسقاط حق التصرف.
الصناعة قضت على الفلاحة
في فجر يوم عمل عادي تنطلق عشرات الحافلات من المنطقة الصناعية بماطر لتجلب المئات من العمال والإطارات من معتمديات غزالة وسجنان وجومين وهي مناطق فلاحية تدنى إنتاجها مع تناقص اليد العاملة وتقلص المساحات المزروعة بنسبة بلغت23 % سنة 2015 وذلك بعد هجر أبناء المنطقة للمزارع والتحاق اغلبهم بالمصانع التي تضمن ساعات عمل اقل وجراية محترمة تصرف في الآجال وقابلة للزيادة سنويا وتغطية اجتماعية وصحية إضافة إلى العطل.. عن هذه الظاهرة تحدث الباحث منور العباسي الذي قدم في أوت2011 بدائل للرفع من مستوى الزراعة في تونس»نلاحظ نسبة شيخوخة متزايدة في أوساط المزارعين حيث يمثل المزارعون الذين تجاوزوا الستين عاما نسبة 43 % بينما كانوا 37 % فقط سنة 1995»ويقترن تهرم المزارعين بانتشار الأمية»هناك نسبة كبيرة من الأميين ضمن المزارعين حيث نجد قرابة 46 % منهم لا يجيدون القراءة والكتابة مما يشكل عقبة أمام التأقلم مع تكنولوجيات الزراعة الحديثة وتقبل الاقتراحات الفنية».
تشتت الملكية
إضافة إلى تهرم المزارعين يعاني القطاع الفلاحي في ولاية بنزرت من تشتت الملكية خاصة في معتمديتي سجنان وجومين وضعية أضرت بالزراعات الكبرى وفرضت على المستغلين إما الاكتفاء ب»سواني» صغيرة وضعيفة المداخيل لا يمكن الحصول على قروض بنكية لاستصلاحها أو هجر الفلاحة والبحث عن مورد رزق في قطاعات أخرى في مدن قريبة آو حتى خارج البلاد.. وحتى محاولات الدولة توضيح ملكية الأراضي الفلاحية عن طريق المسح الإجباري فقد توقفت في منطقة الطواجنية من معتمدية جومين لتشعب الأمور وكثرة الورثة وعدم رغبة بعضهم في إتمام العملية... وفي المقابل مكن إحداث منطقة سقوية بسجنان على مساحة 3402 هك من تخطي عائق تشتت الملكية وجمع المزارعين في إطار واحد رغم اختلاف منتجاتهم وصعوبة تسويقها.
إسقاط الحق
بالإضافة إلى أحكام المصادرة القضائية فانه يمكن للإدارة إسقاط حق تصرف الشاغلين للأراضي الدولية والمقاسم الفنية وذلك بعد التنبيه والدعوة لتلافي الاخلالات التي تسجلها لجان المعاينة في أجال معقولة وهو ما حدث فعلا لفنيين يستغلان مقسمين يمسحان 90هك ولمستغلي ضيعة الزبوز» بمعتمدية غزالة سنة 2011 وضيعتي» قصة الباي» 1 و2 « من معتمدية ماطر في سنة 2012 حسب ما أفادنا في حوار سابق المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية ببنزرت خليفة الهمامي لكن إسقاط الحق في التصرف يقترن غالبا بإهمال الأرض طيلة سنوات قد يتطلبها تخطي العوائق الإدارية ومصادقة وزارتي الفلاحة وأملاك الدولة على تمكين مستغل جديد من المساحة المهملة لزراعتها.
ساسي الطرابلسي
الأراضي المصادرة.. ضيعة «الحويض» نموذجا..
في 15نوفمبر2016 صرح وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الحالي مبروك كورشيد بأنه «من غير المعقول أن نصادر الأملاك من اجل المصادرة أو لجعل هذه الأملاك خرابا» وذلك ردا على سؤال مراسل»وات» ببنزرت حول وضعية القصر الرئاسي الموجود بالحويض من معتمدية اوتيك الذي تحيط به مساحات زراعية شاسعة كانت تنتج كميات هائلة من الخضر والغلال.. تحولت بعد مصادرة العقار إلى أراض مهملة لغياب إستراتيجية واضحة لاستغلالها والاستفادة من تطورها.. وحتى اقتراح تحويل الفضاء ككل لمركز استقبال المدمنين فقد عطلته الإجراءات الإدارية المطلوبة.
في القصرين : أكثر من 100 ألف هك من الأراضي.. مهملة
* آلاف الأطنان من الخضر والغلال تذهب هباء
تمسح ولاية القصرين 826 الف هكتار وهي من اكبر ولايات الجمهورية من حيث شساعة اراضيها، وقابليتها لان تكون قطبا فلاحيا بامتياز يساهم في تامين الاكتفاء الغذائي من حبوب وخضر وغلال وزيت زيتون.. وموطنا لعديد الصناعات التحويلية الغذائية كمربى التفاح والمشمش و»الهندي» وعصير عديد الغلال ومشتقات الحليب وتعليب الطماطم.. وكذلك وحدات صناعية لتحويل عديد المنتوجات النباتية التي تزخر بها الجهة مثل الاخشاب والنباتات العطرية على غرار معمل صنع الورق من نبتة الحلفاء المحدث منذ بداية الستينات..
لكن.. آلاف الهكتارات من المساحة المذكورة غير مستغلة بالقدر الكافي او مهملة تماما.. فحسب ما افادتنا به مصادر من المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين فان نسبة 94 % من اراضي الجهة (777 الف هك) ذات صبغة فلاحية وهي موزعة بين 179 الف هك كمنابت للحلفاء و158 الف هك غابات و80 الف هك في شكل مراعي و360 الف هك اراضي محترثة (قابلة لانتاج الحبوب والخضر والاعلاف والغلال..) في حين ان الاراضي غير الفلاحية لا تتجاوز49 الف هك (6 %) من مساحة الولاية وهي تشمل مناطق العمران من مدن وتجمعات سكنية ومناطق صناعية وغيرها..
أكثر من 100 الف هك غير مستغلة
من بين 360 الف هك اراض محروثة نجد 33 الف هك مناطق سقوية بين خاصة 22 الف هك وعمومية 11 الف هك وهذه الاخيرة مستغلة بنسبة لا تتجاوز 60 %، اضافة الى 23 الف هك كاراض دولية (مركبات فلاحية ومقاسم للفنيين..) فيها ايضا مساحات هامة غير مستغلة.. والبقية مخصصة للاشجار المثمرة بحوالي200 الف هك والزراعات الكبرى بقرابة 105 الف هك، لكن الاشكالية ان اكثر من 100 الف هك من الاراضي المحروثة غير مستغلة وبالتالي مهملة لعديد الاسباب التي سنذكرها..
عوامل الإهمال
تعود كل هذه المساحات غير المستغلة (اكثر من 100 الف هك من الاراضي الفلاحية) الى عديد العوامل اولها حسب مصادر من الاتحاد الجهوي للفلاحين والمندوبية الجهوية للفلاحة الى محدودية الامكانيات المادية للفلاحين وطغيان الفلاحة المعيشية التي توفر دخلا حينيا على انشطتهم مثل تربية الماشية، او الاقتصار على فلاحة بعلية لا تتطلب مصاريف كبيرة كغراسة الزياتين والاشجار المثمرة مقابل تراجع مساحات الزراعات الكبرى، نتيجة عدم توفر مصادر تمويل بالجهة باستثناء البنك الوطني الفلاحي والتعقيدات التي يفرضها لتمكين الفلاحين من قروض، اضافة الى قلة مساحات المناطق السقوية العمومية وعدم استغلالها بكل طاقتها(60 %) فقط لان الكثير منها احدثت في غير اماكنها وتشكو من سوء تصرف المجمعات المائية التي تديرها وتوزع شبكاتها بين مياه الري والماء الصالح للشراب، الى جانب ان اغلب المناطق السقوية الموجودة تعاني من العزلة عن مركز الولاية أين يوجد سوق الجملة الوحيد في الجهة بمدينة القصرين حيث أن51 % تبعد أكثر من 50 كم عن مركز الولاية بالإضافة إلى البعد عن الطرقات الرئيسية وتردي المسالك داخلها.. ولو يقع استغلال المساحات المهملة لاحداث مناطق سقوية جديدة وتوفير الشروط الكاملة للعناية بها فانها ستوفر الاف الاطنان من الخضر والغلال للسوق الداخلية والتصدير لان الجهة تتميز بتربتها الخصبة ومواردها المائية الكبيرة..
معوقات فنية واقتصادية
الى جانب العوامل المذكورة فان هناك عديد المعوقات التي تحول دون استغلال اكثر من 100 الف هك من الاراضي الفلاحية بالجهة بعضها معوقات فنية كتدني المنسوب المائي في بعض الموائد وخاصة بسبيبة وأم الأقصاب بماجل بلعباس. وضعف المستوى التقني لمتعاطي النشاط السقوي ونقص تأطيرهم نظرا لقلة الإطار المختص.. واخرى اقتصادية مثل ضعف الإمكانيات المادية والمالية لصغار الفلاحين وصعوبة تسويق المنتوج وتعاطي اصحاب الاراضي لأنشطة أخرى مربحة واعتبار النشاط الفلاحي ثانويا، فضلا عن إقامة العديد من الفلاحين خارج مستغلاتهم ومباشرتها عن بعد وعدم تحمس الشبان من ابناء العائلات الفلاحية للعمل الزراعي واختيارهم البحث عن عمل في الوظيفة العمومية لان الاجرة «مسمار في حيط» او توجه الكثير منهم الى نشاط التهريب و»الكنترة «بدل خدمة اراضي الاباء والاجداد التي من شانها ان توفر لهم مداخيل هامة، والامل ان يكون نجاح من اقبل على الفلاحة البيولوجية وعديد منتجي التفاح والفستق والمشمش بالجهة وتوفقهم في تصدير كميات من انتاجهم وجني ارباح كبيرة، مثالا لغيرهم حتى يقبلوا على استغلال الاف الهكتارات التي مازالت مهملة ويتهددها الانجراف جراء عدم خدمتها.
يوسف امين
أكودة..
شطّ الرمّان بلا رمّان!؟
تعدّ منطقة شطّ الرمّان من معتمديّة أكودة من أشهر المناطق التي عرفت خلال عقود بانتشار حقول وبساتين أشجار الرمّان التي دأب الأجداد والآباء على غراستها والعناية بها منذ استقدمها الأندلسيّون إلى هذه الرّبوع وفق ما تؤرّخ له كتب التّاريخ وهو ما أهّل المنطقة لأن تظفر بالتّسمية وأن تكون أهلا للقب الذي أطلق عليها منذ عقود لما اشتهرت به من انتشار غراسة أشجار الرمّان على ما يزيد عن 90 % من المساحة الجمليّة للمنطقة حيث كان عدد أشجار الرمّان في المنطقة خلال سنوات الخير ما يزيد عن 50ألف شجرة تجود بكلّ كرم وعطاء بأجود أنواع الرمّان في البلاد وأعذبها على الإطلاق غير أنّ واقع شطّ الرمّان اليوم يدحض بكلّ قوّة التّسمية وينسفها فالحال أضحى غير الحال والحاضر التعيس يبكي على ذلك الماضي السّعيد .
أسباب تراجع الغراسات
اعتبر منير سلامة أحد فلاّحي المنطقة أنّ قلّة الموارد المائيّة وعدم التّعويل على مياه نبهانة وخصوصا خلال السّنوات الأخيرة يعدّ من العوامل التي أدّت إلى تراجع المساحات المغروسة بشكل كبير وجعل الكثيرين لا يفكّرون في تجديد الغراسات كما كشف منير أن ارتفاع أسعار الأدوية والسّماد والتّجهيزات الفلاحيّة وقنوات الريّ وخصوصا في السّنوات الأخيرة دفع بأغلب الفلاّحين إلى ترك أراضيهم والتخلّي عن خدمتها لقلّة مردوديّتها واعتبر أنّ ارتفاع اليد العاملة (25 دينارا مع ضمان الإعاشة والسّكن) وراء هجر الفلاّحين لأراضيهم وخصوصا منهم الذين يعوّلون بشكل كامل على خدمات اليد العاملة المأجورة ورأى سلامة أنّ واقع ضيعته يبعث على الحسرة وعلى البكاء على زمن كانت فيه ضيعة الأجداد جنّة فوق الأرض تضمّ ما يزيد عن خمسة أنواع من الرمّان (الزّهريّ-العربيّ-الشّملي- القلعي صغيري..) والتي تتميّز بقشرتها الخضراء وحبّاتها الحمراء وطعمها المميّز إلى جانب عدد محترم من أشجار اللّيمون «الشّنوة « التي تمّ غراستها في آخر السّبعينات ضمن مشروع مموّل من قبل الدّولة إلاّ أنّه ورغم النّتائج المشجّعة التي تمّ تحقيقها لم يكتب للمشروع الاستمراريّة ولم يبق من الأشجار إلاّ عددا قليلا كما بيّن منير سلامة أنّه اليوم وأمام عديد الصّعوبات التي يعرفها القطاع وعزوف الشّباب عن العمل الفلاحي ترك خدمة أرضه وتخلّى عن رزقه وامتهن جمع الحليب ونقله إلى المجمّع رغم ما يخلّفه ذلك في نفسه من انكسارات ومن شعور بالمرارة مردّه عجزه في آخر سنوات عمره عن حفظ الأمانة كما تذمّر منير من انتشار واستفحال ظاهرة سرقة الأبقار والمواشي حيث تعرّض في السّنوات الخمس الأخيرة إلى سرقة 15 رأس بقر يرجع تاريخ آخر استهداف له إلى أيام عيد الأضحى حين سرق منه عجله واعتبر أنّ غياب الأمن والحماية جعله يقتصر على تربية بقرتين كنشاط يمكّنه من سدّ أوقات فراغه.
مختار بن الحاج حميدة فلاّح آخر وجدناه يرعى غنمه في أرض حاصرتها أكوام الفضلات والأوساخ وتداخلت أغصان أشجارها وتنافرت لتؤشّر بقوّة على طول عهدها بآخر عمليّة تشذيب اقتربنا منه فلمسنا منه الكثير من الحيطة والحذر والخوف من أن تشمله رعاية لصوص الأغنام أرجع المختار ضعف مردوديّة القطاع الفلاحيّ إلى الإرتفاع القياسي الذي تشهده أسعار المواد الفلاحيّة والأدوية والبذور ورأى أنّ تراجع مساحات غراسة بساتين الرمّان التي اقتصرت اليوم على نشاط ثلاث عائلات معروفة استطاعت أن تصمد في وجه التحديّات وأن تحافظ على وحدتها ترجع بالأساس إلى قلّة الموارد المائيّة وانقطاع مياه نبهانة عن المنطقة منذ سنتين وهو ما يجعل من تعاطي النّشاط الفلاحي لمن لا يملك بئرا سطحيّة أو ارتوازيّة أمرا مستحيلا واعتبر المختار أنّ العصر الذهبيّ لمنطقة شطّ الرمّان قد انقضى وولّى مع زمن كان فيه أفراد العائلة بأسرها يتجنّدون لخدمة الأرض ولا يستعينون مطلقا بخدمات عمّال مأجورين كما أشار إلى تراجع دعم الدّولة عن تقديم الحوافز والتّشجيعات التي كانت تتلاءم وتتماشى مع حجم الإنجازات أمّا اليوم فرأى أنّ الدّولة استقالت من مسؤوليّاتها تجاه الفلاّحين الذين أضحوا عزّلا في مجابهة عديد الصّعوبات دون أيّ دعم وهو ما جعل الكثيرين منهم يعلّقون أنشطتهم ويبادرون ببيع مقاسم عديدة من أراضيهم حتّى يتسنّى لهم مجابهة مصاريف الحياة وتزويج أبنائهم كما لم يقلّل بالحاج حميدة من الآثار والتّداعيّات السّلبيّة التي نتجت عن تشتّت الملكيّة وضياع المساحات الشّاسعة واستنكر أن تتحوّل أراضي شطّ الرمّان إلى مصبّ عشوائيّ لفضلات البناء واعتبر أنّ استعادة المنطقة لإشعاعها ولتاريخها المجيد يتطلّب عزيمة فولاذيّة وإرادة سياسيّة صادقة تحرص على النّهوض الحقيقيّ بالقطاع الفلاحيّ من خلال ضبط آليّات ومقاربات تنبع من واقع القطاع دون تجميل أو تنميق أو مغالطات ألمّت بواقع كثرت فيه وغلبت عليه الحسابات فرفعت عنه البركات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.