تتواصل ولادة وتناسل المزيد من الأحزاب في الوقت الذي ينشد فيه التونسيون تعافي الحياة الحزبية من تشرذمها وتجاوز حالة التخمة والتكاثر غير المثمر لعدد الأحزاب في البلاد التي ميزت فترة ما بعد 14 جانفي قصد الاتجاه أكثر فأكثر نحو الانصهار وتأسيس أحزاب كبرى وقوية تحتاجها الديمقراطية التي ننشدها جميعا. ويبدو أن الأحزاب وقياداتها لم تتجاوز بعد علل وأمراض النرجسية وهوس الزعامة التي فوتت عليها وعلى البلاد اختصار الوقت في تركيز ملامح مناخ سياسي وحزبي سليم وديمقراطي واضح المعالم سمته عدد معقول من الأحزاب الكبرى الممثلة لمختلف العائلات السياسية تتنافس على قاعدة برامج حقيقية لكسب ثقة الناخبين ولقيادة البلاد وإيجاد الحلول لمشاكلها المِزمنة. والدليل على غياب الوعي لدى الأحزاب كما لدى الزعامات والشخصيات الوطنية في البلاد وعدم قدرتهم على القفز على حساباتهم الشخصية لصالح خيار الانصهار والتجمع هو عدم استقرار بورصة الأحزاب في البلاد إلى حد الآن حيث يعرف عددها نسقا تصاعديا ناهز 210 أحزاب في انتظار المزيد من المبادرات هذه الأيام على غرار اعلان أحمد نجيب الشابي اليوم عن حزبه الجديد تحت تسمية «الحركة الديمقراطية» وتداول أخبار بشأن تواصل المشاورات والترتيبات لإعلان عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية السابق قريبا عن حزبه اليساري الكبير يرجح أن يختار له أسم «إلى الأمام تونس». وواقع الأحزاب اليوم هو أشبه بالانتصاب للحساب الخاص أكثر منه أحزابا بالمفاهيم السياسية المتعارف عليها ولعل ذلك ما يفسر عدم قدرتها في الكثير من الأحيان على انجاز مؤتمراتها كما تلاحق أغلبها الخلافات والصراعات الداخلية و»الدسائس» وتتهددها المزيد من الانقسامات ما ساهم في تدني ثقة المواطن في أغلب الأحزاب يبرز من خلال تراجع نوايا التصويت للأحزاب إلى أدنى مستوياتها وفقا لما تكشفه نتائج سبر الآراء. والملاحظ أن تكاثر الأحزاب يتشابه في الكثير من الأحيان في دوافعه ومنطلقاته وأيضا في التسميات المستنسخة «نداء تونس» و»مشروع تونس» و»إلى الأمام تونس» وبالتالي ستكون حتما النتائج متشابهة وتتحول هذه الأحزاب بعد فترة قصيرة إلى مجرد رقم في سجل الأحزاب ويختزل في شخص الرئيس. وتجاوز هذا الواقع الحزبي المأزوم يمر حتما عبر التغلب على الأنا المتضخمة للكثير من القيادات الحزبية وتحول فكرة العمل المشترك والانصهار إلى عقلية تترجم على أرض الواقع. ولعل التجربتين الأخيرتين في انصهار كل من التيار والتحالف الديمقراطي وحزب الوطن الموحد في حركة مشروع تونس تظل إلى حد الآن نقطة الضوء الوحيدة القابلة للاستنساخ من بقية الأحزاب وتعد الحل الأمثل لحياة سياسية سليمة تؤسس لديمقراطية حقيقية.