فضحت احتفالات الذكرى الثانية للثورة واقع المشهد السياسي في تونس فالتشتّت بدا سيّد الموقف بين الاحزاب على عكس ما روّج له الساسة من تحالفات وائتلافات ثنائية وثلاثية ورباعية. هذا التشتت الذي بدت عليه الاحزاب وأنصارها يتوافدون على شارع الحبيب بورقيبة صباح الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة أعاد للأذهان مشهد التشتت الذي بدت عليه الاحزاب ذاتها خلال العام 2011 وصولا الى الموعد الانتخابي نهاية شهر أكتوبر من نفس العام ودفعت بالكثيرين الى التساؤل حول مدى تكرر سيناريو 23 أكتوبر 2011.
تخمة حزبية
ما بعد رحيل الرئيس الأسبق بن علي تكاثرت الاحزاب السياسية في تونس لتفوق المائة حزب ولتشكّل في أول انتخابات يجري تنظيمها بعد الثورة تخمة من القوائم الانتخابية كان من الصعب على الناخب التونسي أن يطلع على برامجها ومرشحيها وهو الذي لم يحفظ بعدُ تسميات أحزابها. وفي نهاية شهر أكتوبر 2011 خاض الشتات أولى المبارزات الانتخابيّة وفسح المجال لأكثر الأحزاب تنظّما وامكانيات لوجستيّة، حركة النهضة، للفوز بعدد كبير من المقاعد في المجلس التأسيسي لكتابة الدستور الثاني للجمهورية التونسية. وأصابت لعنة التشتت ليس فقط الاحزاب ذات المرجعية المتماثلة بل إنّها أصابت وجوها سياسية بارزة أغرتها تخمة الترشحات بالترشّح في قوائم مستقلة كان مصير أغلبها الفشل الانتخابي الذريع.
ما بعد الانتخابات أصمّ الساسة آذاننا بالدعوات المتكررة نحو التحالف والتآلف من أجل تحقيق التوازن في المشهد السياسي والذي برزت فيه حركة النهضة أبرز القوى السياسية الفاعلة.
وتحولت تلك الدعوات الى حقيقة في بعض الاحزاب حين تجرد الحزب الديمقراطي التقدمي من اسمه وانصهر مع حزبين آخرين في شهر أفريل من العام الماضي مسبوقا في ذلك بانصهار حزبي آخر جمع حركة التجديد بأحزاب أخرى ليحمل الحزب تسمية المسار الديمقراطي الاجتماعي وقبلها كان حزب التقدم الذي يرأسه فتحي التوزري قد انصهر مع حزب آفاق تونس.
انصهارات كانت تنبئ بولادة تحالفات من شأنها أن تعيد التوازن لمشهد السياسي خاصة وأن الانتخابات أفرزت قوى بديلة شكلتها الترويكا التي حصدت أغلب المقاعد الانتخابية.
تشتت
بعودة الباجي قايد السبسي الوزير الاول السابق الى الحياة السياسية بمبادرة تحمل تسمية نداء تونس تنامت التصريحات حول قرب إعلان أكبر التحالفات في صفوف المعارضة وتضم أحزاب الجمهوري والمسار ونداء تونس بالاضافة الى حديث عن انضمام حزبي العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي الى هذا التحالف الذي كان من المتوقع ان يحمل تسمية الاتحاد من أجل تونس.
من جهة أخرى ظهرت الجبهة الشعبية كقوة ثالثة كان لها حضورها الجماهيري في مجمل التظاهرات التي نظمتها. كما أعلن المنسلخون عن الحزب الديمقراطي التقدمي بقيادة محمد الحامدي بداية نوفمبر الماضي عن اطلاقهم لمبادرة التحالف الديمقراطي بالاشتراك مع الاصلاح والتنمية بقيادة محمد القوماني. وتعمل هذه المبادرة على ضم الرافضين لعودة التجمع ولهيمنة الاسلاميين على المشهد.
وأصبح السؤال الابرز المطروح على السياسيين هو الى أي تحالف تنتمون إلا أن هؤلاء وقبل ان يتحالفوا تخاصموا وإن بتعقل مقصود فالحزب الجمهوري اعتبر تصريحات الباجي قايد السبسي تجاه حزبي المسار والجمهوري نيرانا صديقة لا يجب الرد عليها بذات الحماسة. وصرح الجنيدي عبد الجواد ل الشروق أن حزب المسار ماض في تحالفه مع الجمهوري ونداء تونس وأن كل السحب تقشعت بعد زيارة السبسي لمقر المسار.
غير ان احتفالات عيد الثورة فضحت هذه التحالفات فالشرخ ما يزال قائما بين نداء تونس وحليفيه.شارع الحبيب بورقيبة أكد أن السحب لم تنقشع بعد في صفوف المعارضة وان تحالفاتها ظلت من صنف التصريحات. كما أكدت معركة التحوير الوزاري ان الترويكا تعاني شرخا في داخلها ومجمل هذه التطورات أكدت أن الشتات يلقي بظلاله من جديد فوق الساحة السياسية التونسية برغم الدعوات المتكررة للحوار الوطني فلا مبادرة اتحاد الشغل لاقت بعدُ طريقا للتطبيق ولا دعوة رئيس الدولة لاقت بعدُ طريقها للتفاعل الايجابي ولا الدعوات الصادرة عن هذا الحزب او ذاك لاقت صدى يذكر. ويبدو أن ذات المشهد السياسي الذي تم فيه تنظيم الانتخابات عام 2011 سيحيط بانتخابات 2013.