تقرير آخر يكشف عن حجم الفساد الذي ضرب كلّ القطاعات، فبعد أن كشفت دائرة المحاسبات في تقريريها التاسع والعشرين والثلاثين عن تجاوزات عديدة في الصفقات العمومية وأيضا عن فساد وسوء تصرّف مالي وإداري بعدد من الوزارات، أصدرت الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد بدورها في تقريرها السنوي لسنة 2016 الذي تضمّن تفاصيل عن إبرام صفقات عمومية على غير الصيغ القانونية بكل من فترة حكم بن علي وأيضا فترة ما بعد الثورة. شملت المهمة الرقابية والمعطيات التي أدلت بها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عشر مؤسسات عمومية أبرمت صفقات عمومية دون وجه حقّ، حيث أفرزت النتائج أنّ صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحليّة التابع لوزارة الداخليّة تعود أطوارها إلى سنة 2004 واستفاد منها أحد أصهار زوجة بن علي من خلال تحديد حاجيات شبكة التنوير العمومي بكلفة 41 مليون دينار. شملت شبهات الفساد في الصفقات العمومية أيضا الشركة التونسية للكهرباء والغاز المتعلقة ب»تربينتين «بقدرة 240 ميغاواط في إطار إنجاز محطّة جديدة لتوليد الكهرباء بمنطقة بوشمّة – قابس - بتكلفة أوليّة تفوق 160 مليون دينار استفاد منها المصنّع (ج-أ(. وقد أسفرت المراجعات التي قامت بها الهيئة بعنوان 2016 عن تحديد نقص تمّ تقديره بحوالي 425 ميغاواط لم تبيّنه الدراسات السابقة المتوفّرة لدى المنشأة إلى موفى جويلية 2015. وبيّنت محاضر السماع أنّ هذا النقص قد تمّ افتعاله في سبيل تبرير إبرام الصفقة موضوع التفاوض المباشر دون اللجوء إلى المنافسة مع المصنّع المذكور رغم رأي اللجنة العليا للصفقات التي أبدت رأيها حول هذا الملف بعدم الموافقة على صيغة التعاقد لعدم توفّر أركان الصيغة الاستعجالية للجوء إلى التفاوض المباشر خلافا لما تعلّلت به المنشأة. المثير للجدل أنه تبيّن أيضا من خلال التقصي أن المهندسين المختصين في التخطيط والبرمجة لدى الشركة المذكورة انفا بمناسبة عرض ملف صفقة إنجاز المحطّة الجديدة ببوشمة لم يروا ما يبرّر الحاجة إلى شراء مولّد كهربائي لذروة صائفة 2016. كما تبيّن من المعطيات المتحصّل عليها نتيجة أعمال التقصّي أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز قد دأبت على التعاقد مع المصنع «ج –أ « بالتفاوض المباشر وبتجاوز رأي اللجنة العليا للصفقات العموميّة مصرّة على مواصلة التعامل معه بالرغم من أنّه سبق للتقرير الصادر عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة لسنة 2011 أن تضمّن إشارة الى شبهات فساد في الصفقة المتعلّقة بإنجاز محطتي «طينة»و»فريانة» والتي كانت قد أبرمت بالتفاوض المباشر مع هذا المصنع مع تجاوز رأي اللجنة العليا للصفقات العمومية الذي كان بالرفض، وذلك بتعليمات من الرئيس الأسبق. شبهات فساد أخرى تتعلّق أيضا بالصفقات العمومية بالمندوبية الجهويّة للفلاحة بالمنستير، فقد تعهّدت الهيئة بالتقصّي في شبهة فساد مالي وإداري منسوبة إلى مسؤول بإدارة التنمية الفلاحية بالمنستير المدعو (ب – ب –ع) وكذلك المدعو (ح –م) مسؤول بدائرة الغابات بالنيابة. تتعلّق شبهة الفساد أساسا بمجموعة من الصفقات العمومية حيث ورد بالعريضة أنّ المسؤول (ح – م) يتواطأ مع المقاولين في إنجاز الصفقات ويتلاعب بالأموال العمومية حسب ما أكده البحث الميداني المدقّق الذي أنجزته التفقدية العامّة بوزارة الفلاحة بتاريخ 14 جويلية 2012 بمندوبية المنستير. ولقد كشف التدقيق العديد من التجاوزات في إنجاز الصفقات العمومية التي سبقت سنة 2013.وورد بالعريضة أنه بداية من سنة 2013 وقع إسناد إنجاز المصاطب» لشركة واحدة، وكيلها المدعو (م –م) من المقرّبين من المسؤول (ح – م(. وتبيّن أنّ هذا الأخير كان يمدّ (م – م) وكيل الشركة بالقيمة التقديرية للأشغال المبرمجة بالصفقات التي يُحدّدها الفنيون بدائرة المحافظة على المياه والتربة مقابل رشاو تدفع له مما يمكّن شركة المقاولة المعيّنة من تقديم عروض تقارب كثيرا التقديرات المذكورة وبالتالي الفوز بالصفقات. تأسست الشركة المذكورة سنة 2012، وفازت دون غيرها بجميع الصفقات المبرمجة بين سنة 2013 وسنة 2016 بسبب تواطؤ من المدعو (ح –م) ومساعدة المدعو (ب –ب ع). أيضا شملت عملية التقصي من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الصفقات العمومية بجامعة سوسة حيث باشرت أعمالها خلال سنة 2016 بشأن شبهات فساد تعلّقت بصفقات عمومية وشراءات أبرمتها الجامعة. ووفق تقرير الهيئة تمّ الاستماع إلى الشاهد (م – ا) في ثلاث مناسبات حول إجراءات إعداد وتلقي الصفقة فتمت مراسلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بخصوص جديّة الشبهات المتوفرة لديها، فأجابت بأن الادعاءات غير صحيحة وأنه تم احترام كلّ الاجراءات باستثناء بعض الإخلالات التي تتجاوز الجانب الاجرائي وكراس الشروط. وأضافت بأن هيئة المتابعة والمراجعة لم تبد أيّ اعتراض بشأن الصفقة موضوع التقصي. فطلبت الهيئة مدّها بتقرير هيئة المتابعة والمراجعة برئاسة الحكومة إلا أنه لم يتمّ موافاتها بالمطلوب. يتعلّق الأمر بصفقة الأشغال التي أنجزت بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة من طرف شركة «س» بكلفة 222 ألف و583 دينارا و600 مليم من جملة 450 ألف دينار الكلفة الجملية لطلب العروض. في نفس الإطار أوردت الهيئة في تقريرها السنوي تفاصيل عن شبهة فساد تعلّقت بصفقات عمومية مبرمة من طرف إدارة المصالح الكهربائية بديوان الطيران المدني والمطارات، فتعهدت بالتقصي والتحرّي بشأن التصرف في صفقات التزود بالتجهيزات بإدارة المصالح الكهربائية بالديوان. وورد بعريضة التبليغ أنّ إسناد الصفقات العمومية ووصلات طلبيّة وكيفيّة إعداد كراس الشروط لا يعتمد على مبدإ المنافسة الشريفة بين الشركات إذ تعقد الجلسات مع المزودين والمسؤولين بمكاتبهم، ذات شبهة الفساد تعلقت أيضا بصفقات عمومية بمصلحة صيانة المباني والبنية التحتيّة بمطار صفاقسطينة الدولي وشبهة فساد بخصوص أشغال صيانة مدرج مطار قفصة. إلى جانب هذه الشبهات تلقت الهيئة إبلاغا بشبهة فساد صفقة تزود الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بمواد معالجة مياه الشرب، وشبهة فساد بصفقة عمومية تعلّقت بمؤسسة الإذاعة التونسية.