مع تواصل توسع عجز الميزان التجاري حسب الأرقام التي كشف عنها المعهد الوطني للإحصاء أمس الأول، تتأكد من جديد أهمية الإجراءات الاستثنائية التي أطلقتها الحكومة مؤخرا من اجل تقليص هذا التوسع. كما يمكن لإجراءات قانون المالية لسنة 2018 - التي ستدخل حيز التنفيذ مطلع السنة الجديدة بصفة رسمية بعد أن تمت المصادقة عليها- أن يكون لها الدور الايجابي في التقليص أكثر ما يمكن من تفاقم العجز الحاصل بالميزان التجاري. فاليوم بلغ العجز 14362.2 مليون دينار خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من سنة 2017 مقابل 11628 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016، وحوالي 13210.6 مليون دينار خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الحالية، ومن أهم الأسباب المباشرة هو العجز المسجل مع بعض البلدان كالصين الشعبية في حدود ال3997.4 مليون دينار وإيطاليا ب1882.7م د وتركيا بما يناهز ال1661.5 م د وروسيا في حدود ال1058.1م.. هذه البلدان التي تورد منها تونس بصفة وصفت بالعشوائية مما أدى إلى اختلال كبير في توازناتها المالية ... وذكر مراد الحطاب المختص في المخاطر المالية ل»الصباح» أن اقتصادنا اليوم هو اقتصاد المخاطر باعتبار أن بلادنا تمر بوضعية انفلات توريدي مقابل انحصار تصديري، مشددا بالمقابل على ضرورة التقليص من التوريد عموما بنسبة لا تقل عن ال10 بالمائة حتى نستطيع تجاوز المشاكل المالية وعلى رأسها مشكلة التداين. وأضاف الحطاب في هذا الإطار أن موارد تونس المتأتية أساسا من التداين موجهة إلى التوريد وليست موجهة للاستثمار والتنمية، مبينا أن السياسية التوريدية في تونس لا تتماشى مع السوق التصديرية والسوق الإنتاجية وهو ما سيؤدي ببلادنا بمرور الزمن إلى وضعية البلد المورد لكل المواد بجميع أصنافها مقابل توقفها كليا عن الإنتاج وبالتالي تعطل محرك التصدير بشكل نهائي. كما حذر العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي مرارا من تداعيات تواصل تفاقم عجز الميزان التجاري، ودعوا إلى ضرورة اتخاذ قرارات فورية وحاسمة أهمها القطع نهائيا التوريد مع البلدان التي تسجل معها عجزا. من ذلك أفاد محمد الجراية المختص في الشأن المالي والاقتصادي ل»الصباح» بان الحل الأوحد والأنجع هو إيقاف التوريد كليا عن طريق الخواص لمدة تتراوح بين ال6 أشهر والسنة لتبقى الدولة المورد الوحيد عن طريق ديوان التجارة للمواد الأساسية.. وحول تحديد أي البلدان التي سيشملها هذا الحل، بين الجراية أن هذا الإجراء يجب أن يكون مع جميع البلدان التي تتبادل معها تونس تجاريا دون استثناء، مشيرا إلى أن هذه العملية لن تنجح إذا تم التركيز على بلد دون غيره. وبالرغم من أن تركيا تعد من ابرز البلدان التي عرف فيها الميزان التجاري عجزا، إلا أن الحل لن يكون ناجعا عن طريق إيقاف التوريد معها فقط خاصة أن الاتفاقية المشتركة بين تونسوتركيا تتدخل فيها أطراف حزبية وسياسية حسب ما أفاد به الجراية. وبين الجراية أن مع تفعيل هذا الحل الأوحد في اقرب الآجال سوف تتمكن الدولة من تقليص العجز الكبير في الميزان التجاري في وقت قياسي ويتقلص الضغط على ميزانية الدولة وخاصة قدرتها على الحفاظ على مدخراتنا من العملة الصعبة. كما اعتبر عدد هام من الاقتصاديين انه بمجرد تفعيل إجراءات قانون المالية لسنة 2018 خاصة في الفصول المتعلقة بتعديل المبادلات التجارية بين تونسوتركيا سيتم التحكم تدريجيا في الميزان التجاري حتى يتقلص العجز الحاصل به. وبالرغم من الجدل الواسع الذي أثاره الفصل 36 من قانون المالية الجديد بين نواب الشعب والذي ينص على اتخاذ إجراءات تعريفية استثنائية على قائمة المنتوجات الموردة ذات المنشإ التركي، إلا انه تمت المصادقة عليه بموافقة 94 نائبا في حين انسحب نواب النهضة الذين قدموا مقترحي تعديل للتخفيض في نسبة الأداءات الديوانية قوبلا بالرفض. ويهدف هذا الفصل إلى التحكم في عجز الميزان التجاري وضمان توازن المبادلات التجارية بين تونسوتركيا، وتطبق المعاليم الديوانية في حدود 90 % الموظفة استثنائيا على المنتجات ذات المنشأ التركي لمدة سنتين ابتداء من غرة جانفي 2018 على أن يتم تفكيكها تدريجيا بعد انقضاء السنتين وعلى امتداد ثلاث سنوات. إلى جانب ذلك، ينتظر أن تأتي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الشهر المنقضي والمتعلقة بالتخفيض من نسبة توريد السيارات ب20 بالمائة للحد من التوريد العشوائي، أكلها في التقليص أكثر ما يمكن من توسع عجز الميزان التجاري.